للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقارتها وهوانها على الله تعالى، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ (١)، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ (٢) مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟! قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟» قَالُوا: وَاللهِ، لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟! فَقَالَ: «فَوَاللهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ» (٣).

٤ - بيان حقارة الدنيا عند من خلقها، وأنها لا تساوي عنده جناح بعوضة، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِذَا هُوَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ شَائِلَةٍ بِرِجْلِهَا (٤)، فَقَالَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهَا؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا» (٥).


(١) أي: أحاطوا به من كل جانب.
ينظر: الصحاح (٤/ ١٤٢٤)، لسان العرب (٩/ ٣٠٨) مادة (كنف).
(٢) الجدي الأسك الذكر من المعز، والأسك قيل: مقطوع الأذنين، وقيل: من صغرت أذنه حتى لصقت برأسه.
ينظر: النهاية في غريب الحديث (٢/ ٣٨٤)، المعجم الوسيط (١/ ٤٣٩) مادة (سكك).
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق (٤/ ٢٢٧٢) ح (٢٩٥٧).
(٤) أي: رافعة رجلها من الانتفاخ.
(٥) أخرجه ابن ماجه كتاب الزهد، باب مثل الدنيا (٢/ ١٣٧٦) ح (٤١١٠)، والحاكم في المستدرك في كتاب الرقاق (٤/ ٣٤١) ح (٧٨٤٧) وصححه وذكر الذهبي أن في سنده زكريا بن منظور ضعفوه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ٩٣٧) ح (٥٢٩٢)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه (٥/ ٢٣٠) ح (٤١١٠): "حديث حسن بطريقيه وشواهده".

<<  <   >  >>