للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ حُذَيْفَةُ -رضي الله عنه-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: ١]، فلا يقدم على قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قول أحد مهما كانت مكانته، كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟! " (١).

ونقل ابن بطة عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: "نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة وثلاثين موضعًا"، ثم جعل يتلو: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]، وجعل يكررها، ويقول: "وما الفتنة؟ الشرك، لعله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ، فيزيغ فيهلكه"، وجعل يتلو هذه الآية: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] (٢).

ويقول الإمام ابن بطة رحمه الله: "فإذا سمع أحدكم حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه العلماء، واحتج به الأئمة العقلاء، فلا يعارضه برأيه، وهوى نفسه، فيصيبه ما توعده


(١) أخرجه أحمد في المسند بنحوه (٥/ ٢٢٨) برقم (٣١٢١)، وجامع بيان العلم وفضله (٢/ ١٢١٠) رقم (٢٣٧٨) لابن عبد البر، ت: أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي السعودية، ط ١، ١٤١٤ هـ، والفقيه والمتفقه (١/ ٣٧٧) للخطيب البغدادي، ت: أبي عبد الرحمن عادل الغرازي، دار ابن الجوزي، ط ٢، ١٤٢١ هـ، وذكره بهذا اللفظ شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢١٥).
(٢) الإبانة الكبرى لابن بطة (١/ ٢٦١).

<<  <   >  >>