وقال السعدي رحمه الله في معنى قوله تعالى:" {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} وهم الذين هاجروا في سبيل الله، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته، {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي: الطرق الموصلة إلينا، وذلك لأنهم محسنون، {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بالعون والنصر والهداية.
دل هذا أن من أحسن فيما أمر به أعانه الله ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمورًا إلهية خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نوعي الجهاد الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق ولو كانوا من المسلمين" (١).
وعلى هذا فإن من جاهد نفسه على إصلاح قلبه، وفقه الله إلى سبيل الائتلاف والاجتماع، وأبعده عن سُبُل التفرق والاختلاف، فيهديه الله إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، ولزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج على ولاة الأمر مهما جاروا، ويعصمه الله من سبب الفشل، ويبعده عن البغي والظلم، ويطهر قلبه من الغل الذي هو من أعظم أسباب التفرق والاختلاف، فعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَطَاعَةُ ذَوِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ