للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى ذلك فإذا تعلق قلب الداعية بالدنيا ومطامعها، ونافس عليها أهلها، ألهته وأشغلته عن دعوته، وزاغ قلبه بسببها، وأدى ذلك إلى تنازله عن بعض دينه من أجل الحصول عليها، ووقع في البغي على إخوانه الدعاة، وصار يفري (١) في أعراضهم، ويسعى في الإيقاع بهم، وتشويه سمعتهم؛ ليتقرب إلى من يجد عندهم الدنيا، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «سَيُصِيبُ أُمَّتِي دَاءُ الْأُمَمِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا دَاءُ الْأُمَمِ؟ قَالَ: «الْأَشَرُ وَالْبَطَرُ (٢)، وَالتَّكَاثُرُ وَالتَّنَاجُشُ (٣) فِي الدُّنْيَا، وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ حَتَّى يَكُونَ الْبَغْيُ» (٤).

وفي الحديث -والله أعلم- إشارة إلى ارتباط هذه الآفات بالتنافس على الدنيا الذي يؤدي إلى البغي وظلم الآخرين من أجل الحصول على لُعَاعَةٍ من هذه الدنيا، فيبغي على إخوانه ويظلمهم؛ لأجل الحصول على حطام الدنيا، ويتنازل عن أصول دينه؛ ليظهر في أعين من يتقرب إليهم من أجل دنياهم بمظهر القريب منهم وهو يحقق


(١) أي: يقول فيهم الشيء العظيم من البهتان والافتراء.
ينظر: الصحاح (٦/ ٢٤٥٤) مادة (فرا).
(٢) الأشر والبطر بمعنى متقارب: الطغيان عند النعمة، وكفر النعم وعدم شكرها، وشدة الفرح والمرح مع الكبر.
ينظر: الصحاح (٢/ ٥٧٩)، لسان العرب (٤/ ٦٩)، معجم اللغة العربية المعاصرة (١/ ٢١٦) مادة (أشر، بطر).
(٣) التناجش مأخوذ من نجش، فيقال: نجشت الصيد أي استثرته، والأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان. وهو في البيع والشراء: أن يزيد في ثمن السلعة ولا يريد شراءها، ولكن ليغرر بغيره ويزيد في سعرها.
ينظر: الصحاح (٣/ ١٠٢١)، النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ٢١)، معجم لغة الفقهاء (٤٧٥) مادة (نجش).
(٤) أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه (٤/ ١٨٥) ح (٧٣١١) ووافقه الذهبي، وقال العراقي في تخريج الإحياء (١٠٨٦): "إسناده جيد"، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢/ ٢٩٠) ح (٦٨٠).

<<  <   >  >>