للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا ضعف الإخلاص تسلط عليه الشيطان، وأضعف همته عن الدعوة، بل قد يتولى ويفر من ميدانها، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: ١٥٥]، قال السعدي رحمه الله في تفسيره للآية: "يخبر تعالى عن حال الذين انهزموا يوم أحد وما الذي أوجب لهم الفرار، وأنه من تسويل الشيطان، وأنه تسلط عليهم ببعض ذنوبهم، فهم الذين أدخلوه على أنفسهم، ومكنوه بما فعلوا من المعاصي؛ لأنها مركبه ومدخله، فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢].

ثم أخبر أنه عفا عنهم بعدما فعلوا ما يوجب المؤاخذة، وإلا فلو واخذهم لاستأصلهم، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} للمذنبين الخطائين بما يوفقهم له من التوبة والاستغفار، والمصائب المكفرة، {حَلِيمٌ} لا يعاجل من عصاه، بل يستأني به، ويدعوه إلى الإنابة إليه، والإقبال عليه.

ثم إن تاب وأناب قبل منه، وصيره كأنه لم يجر منه ذنب، ولم يصدر منه عيب، فلله الحمد على إحسانه" (١).

وعلى هذا فقد يتولى الداعية عن دعوته بسبب خطيئته، التي يستثمرها الشيطان في تخويفه بأتباعه، قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٥]، أي: يخوفكم الشيطان


(١) تفسير السعدي (١٥٣).

<<  <   >  >>