للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحكمة، والبعد عن الاستعجال، وأن يسير في دعوته وفق منهج الأنبياء مع التدرج وعدم طوي المراحل بعجلة؛ لأن الدعوة توجه إلى أقوام بعضهم ألفت نفسه المنكر، بل يصل الأمر ببعضهم لجهله أن يرى أن الدعاة يقفون في طريق رزقه، ويواجهها كذلك أعداء شرسون في عدائهم، يستميتون في الدفاع عن باطلهم، متمرسون في البحث عن الثغرات، ليصدوا الناس عن الخير ببعض ما يصدر من الدعاة من خلل في فقه الموازنات، فإذا استعجل الداعية في دعوته وتحمس حماسًا غير منضبط بضوابط الفقه في الدعوة، فإنه يخسر أكثر مما يكسب، إن الناس إذا ألفوا المنكر وأراد الداعية أن يبعدهم عنه بدون مقدمات توقظ في القلب مخافة الله وخشيته، وذلك عن طريق الترغيب والترهيب أولًا قبل الكلام في إنكار المنكر الذي إلفه الناس، فإنه قد ينفر الناس من دعوته، كما تقول عائشة رضي الله عنها: "إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا .. " (١).

وربما يؤدي استعجال الداعية إلى تعثر الدعوة أو إيقاف مناشطها، كما يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله لابنه عبد الملك (٢) الذي كان يرى سرعة التغيير والعجلة فيه.

قال ابن عبد الحكم المصري (٣) رحمه الله: "لما ولي عمر بن عبد العزيز قال له ابنه


(١) البخاري (٦/ ١٨٥).
(٢) عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز الأموي، وكان يَفْضُلُ على والده في العبادة والانقطاع عن الناس، كان رجلًا صالحًا يعين أباه على رد المظالم ويحثه على ذلك، مات في حياة أبيه عليه رحمة الله سنة (١٠٠ هـ).
ينظر: تاريخ دمشق (٣٧/ ٣٨)، تاريخ الإسلام (٢/ ١١٣٤)، البداية والنهاية (١٢/ ٦٧٤).
(٣) عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث، أبو محمد المصري الإمام، الفقيه، مفتي الديار المصرية، المالكي، صاحب مالك، وله كتاب مناقب عمر بن عبد العزيز وغيره، وقد سارت بتصانيفه الركبان، توفي رحمه الله سنة (٢١٤ هـ).
وفيات الأعيان (٣/ ٣٤)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٢٢٠)، الأعلام (٤/ ٩٥).

<<  <   >  >>