للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبطر الحق رده، والنصيحة من الحق، خاصة إذا كانت بما أمر الله به أو نهى الله عنه، فردها والضيق منها أمر محرم، يكون من باب المكابرة والإعراض، وينطبق عليه قول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤].

ويجب قبول النصيحة ممن بذلها وعدم ردها إذا كانت حقًّا؛ لأنها داخلة في الاستجابة لله والرسول، وقد أمر الله بذلك، والأمر يقتضي الوجوب، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤].

والنصيحة التي يجب قبولها لا بد أن تشتمل على الدليل الشرعي، ولأن الناصح إذا أمر بحق عليه من الله برهان من كتاب أو سنة صحيحة، فما على المنصوح إلا أن يرضى ويسلم، ويقول: سمعنا وأطعنا، كما قال الله عن المؤمنين: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: ٥١]، ولا يرد النصيحة، فيكون من الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: ٢٠٦]، ورد النصيحة الحقة يدخل في كره الحق الذي كان سببًا لدخول النار والمكوث فيها، كما الله تعالى عن أهل النار: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: ٧٤ - ٧٨].

وإذا كان الداعية مصابًا بهذا الداء، ينفر من نصيحة الناصحين الصادقين، ويضيق بها، ويظهر عليه التبرم منها، فليسارع في علاج قلبه، ويسأل الله أن يطهر قلبه

<<  <   >  >>