للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه ينبغي على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون قدوة حسنة ليكون لأمره ونهيه أثر، لكن لا يسقط الأمر والنهي لأجل قصور الآمر والناهي وتفريطه، بل يجب الأمر والنهي بحسب وسعه، ولا يسقط عنه حتى لو كان يقع فيما ينهى عنه أو يترك ما يأمر به، وقال القرطبي رحمه الله: "وليس من شرط الناهي أن يكون عدلًا عند أهل السنة، خلافًا للمبتدعة حيث تقول: لا يغيره إلا عدل، وهذا ساقط، فإن العدالة محصورة في القليل من الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام في جميع الناس" (١).

وقال ابن عطية رحمه الله (٢) عند تفسير قوله تعالى: {(٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ} [المائدة: ٧٩]: "والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه ونهى بمعروف وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه وأن لا يخالط ذا المنكر، وقال حذاق أهل العلم: ليس من شروط الناهي أن يكون سليمًا من المعصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضًا، وقال بعض الأصوليين فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضًا، واستدل قائل هذه المقالة بهذه الآية؛ لأن قوله: {لَا} و {مُنْكَرٍ} يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي" (٣).


(١) تفسير القرطبي (٤/ ٤٧).
(٢) الإمام، العلامة، شيخ المفسرين، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي الغرناطي، وكان رحمه الله إمامًا في الفقه، وفي التفسير، وفي العربية، قوي المشاركة، ذكيًّا فطنًا مدركًا، من أوعية العلم، يقول الذهبي عنه في تاريخ الإسلام: "ولو لم يكن له إلّا تفسيره الكبير لكَفَاه"، وتوفي رحمه الله سنة (٥٤١ هـ)، وقيل: (٥٤٢ هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (١٩/ ٥٨٧)، تاريخ الإسلام (١١/ ٧٨٧)، الأعلام (٣/ ٢٨٢).
(٣) تفسير ابن عطية (٢/ ٢٢٤) واسم تفسيره: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ت: عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية بيروت، ط ١، ١٤٢٢ هـ.

<<  <   >  >>