للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعرفها النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يلتبس أمرها على أحد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» (١).

وإذا كان الداعية يذكر إخوانه في مجالسه بما هو فيهم من العيب والخلل، ولم يقم بدوره في نصحهم نصيحة المشفق عليهم المحب لهم الخير، فهو في الحقيقة ممن يأكلون لحوم الموتى، وهو يشعر أو لا يشعر، ومهما زين له الشيطان عمله ذلك فأخرجه في قالب التحذير من المنكرات، والحرص على سلامة الأمة منها، والتحذير من دعاة السوء، ونحو ذلك من لبس الحق بالباطل ليروج على الأتباع، وهو في الحقيقة ممن وقع في الغيبة وأكل لحوم إخوانه، وجر على نفسه وأتباعه شرًّا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} الآية [فاطر: ٨].

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، -قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ: تَعْنِي قَصِيرَةً-، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ» الحديث (٢).

قال النووي رحمه الله: "أي: خالطته مخالطة يتغيرُ بها طعمُه أو ريحُه لشدّة نتنها وقبحها. وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث يبلغُ في الذمّ لها هذا المبلغ" (٣).


(١) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة (٤/ ٢٠٠١) ح (٢٥٨٩).
(٢) أخرجه أبو داود واللفظ له في كتاب الأدب، باب في الغيبة (٤/ ٢٦٩) ح (٤٨٧٥)، والترمذي في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب .. (٤/ ٦٦٠) ح (٢٥٠٢) ح (٢٥٠٣) وقال: "حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٣/ ٧٧) ح (٢٨٣٤)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود (٧/ ٢٣٧) ح (٤٨٧٥).
(٣) الأذكار (٣٣٨).

<<  <   >  >>