للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله -سبحانه وتعالى- سيتولى محاربة من يحارب أولياءه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ» الحديث.

ولكن قد يتأخر النصر، ويُمَكَّنُ للعدو إلى حين ابتلاءً وتمحيصًا، ولله في ذلك حكمة، ليظهر في الواقع معلوم الله، فيعرف الصادق من الكاذب، ويميز بين المؤمن وغيره، ويتخذ من المؤمنين شهداء، ثم تحدث سنة الله في محق أعداء الدين، قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٣٩ - ١٤١].

وفي الآيات السابقة التي أنزلها الله ضمن آيات عقّب بها الله على غزوة أحد؛ لتكون درسًا للمؤمنين إلى قيام الساعة ينتفعون بها، ويأخذون منها العبر والعظات في حياتهم، يقول السعدي رحمه الله: "وذكر تعالى أنه لا ينبغي ولا يليق بهم الوهن والحزن، وهم الأعلون في الإيمان، ورجاء نصر الله وثوابه، فالمؤمن المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي منه ذلك، ولهذا قال تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

ثم سلاهم بما حصل لهم من الهزيمة، وبيَّن الحِكَم العظيمة المترتبة على ذلك، فقال: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، فأنتم وإياهم قد تساويتم في القرح، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون، كما قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: ١٠٤].

<<  <   >  >>