للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به المعاجلة بالعقوبة رحمة بعباده المؤمنين" (١).

وسيأتي مزيد بيان حول أسباب تأخر النصر في مبحث قادم (٢).

وفي المقابل ذكر الله حال أصحاب القلوب المريضة، عندما يحصل لهم فتنة من أعداء الدعوة يجعلونها كفتنة الله، وينكصون على أعقابهم، ويظهر علم الله فيهم في الواقع، فيُعْلَمُ المؤمن الصادق من المنافق، كما قال تعالى عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت: ١٠، ١١].

قال البغوي رحمه الله: "قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} أصابه بلاء من الناس افتتن، {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} أي: جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة، أي: جزع من عذاب الناس ولم يصبر عليه، فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه، هذا قول السدي وابن زيد، قالا: هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر" (٣).

ويقول السعدي رحمه الله: "لما ذكر تعالى أنه لا بد أن يمتحن من ادَّعى الإيمان، ليظهر الصادق من الكاذب (٤)، بيَّن تعالى أن من الناس فريقًا لا صبر لهم على المحن، ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ


(١) تفسير السعدي (١٤٩ - ١٥٠).
(٢) ينظر: ص (٧٤١).
(٣) تفسير البغوي (٦/ ٢٣٤).
(٤) يشير بهذا إلى قول الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٢، ٣].

<<  <   >  >>