للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد مر الكلام على الرفق في أكثر من موطن في هذه الدراسة (١).

ت - اتصاف الداعية بالشح والبخل (٢):

إذا اتصف الداعية بالشح والبخل نفر الناس منه؛ لأن الداعية لا بد أن يكون قدوة حسنة في البذل والإنفاق والكرم كما كان القدوة لجميع الدعاة إلى الله، يقول الواصف له -صلى الله عليه وسلم- أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ» (٣).

وعن جُبَيْرِ بْنُ مُطْعِمٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ النَّاسُ، مُقْبِلًا مِنْ حُنَيْنٍ، عَلِقَتْ (٤) رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «أَعْطُونِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ العِضَاهِ (٥) نَعَمًا، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا كَذُوبًا، وَلَا جَبَانًا» (٦).


(١) ينظر: ص (٥٣٠).
(٢) الشح أشد البخل، فهو بخل مع حرص.
ينظر: مقاييس اللغة (٣/ ١٧٨)، المفردات في غريب القرآن (ص: ٤٤٦)، لسان العرب (٢/ ٤٩٥) مادة (شح).
وقال الخطابي رحمه الله في التفريق بين البخل والشح: "الشح أبلغ في المنع من البخل، وإنما الشح بمنزلة الجنس والبخل بمنزلة النوع، وأكثر ما يقال البخل إنما هو في إفراد الأمور وخواص الأشياء، والشح عام وهو كالوصف اللازم للإنسان من قبل الطبع والجبلة. وقال بعضهم: البخل أن يضن بمال، والشح أن يبخل بماله وبمعروفه". معالم السنن (٢/ ٨٣ - ٨٤).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل (٨/ ١٣) ح (٦٠٣٣)، ومسلم واللفظ له في كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقدمه للحرب (٤/ ١٨٠٢) ح (٢٣٠٧).
(٤) أي استمسكوا وتعلقوا به.
ينظر: النهاية في غريب الحديث (٣/ ٢٨٨)، المعجم الوسيط (٢/ ٦٢٢) مادة (علق).
(٥) قال ابن قتيبة في غريب الحديث (١/ ٢٧٣): "العضاه كل شجر له شوك مثل الطَّلْح والسَّلَم والسَّمُر والسِّدْر".
(٦) أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (٤/ ٩٤) ح (٣١٤٨).

<<  <   >  >>