للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهِ}، فلما كان الفرج عند الشدة، وكلما ضاق الأمر اتسع، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}، فهكذا كل من قام بالحق فإنه يمتحن.

فكلما اشتدت عليه وصعبت، إذا صابر وثابر على ما هو عليه انقلبت المحنة في حقه منحة، والمشقات راحات، وأعقبه ذلك الانتصار على الأعداء وشفاء ما في قلبه من الداء، وهذه الآية نظير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: ١٤٢].

وقوله تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ١ - ٣]، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان" (١).

وقال تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: ١١٠].

والظن في هذه الآية ليس من باب الشك؛ لأن الأنبياء منزهون عن ذلك، وإنما المراد به كما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما: ما يخطر بالبال وتحدث به النفس من استبطاء النصر على ما تقتضيه الطبيعة البشرية من الضعف، وظن الأنبياء أنهم أُخْلِفوا، كما قال الله: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} (٢)، وهذا ما مال له شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذكر أن ظاهر الآية معه (٣).


(١) تفسير السعدي (٩٦).
(٢) ينظر: تفسير الطبري (١٣/ ٣٩٣)، تفسير البغوي (٤/ ٢٨٦)، تفسير القرطبي (٩/ ٢٧٦).
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى (١٥/ ١٧٦).

<<  <   >  >>