للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سجوده استند إلى إبائه، وهو أمرٌ وُجُودي اتَّصف به , نشأ عنه الذنبُ، فلم يكن تركُ سجوده لعَجْزٍ ولا لسَهْوٍ ولا لغفلةٍ، بل كان إباءً واستكبارًا.

ومعلومٌ أن هذا لا يُفْهَم من مجرَّد الاستثناء، وإنما المفهوم منه عدم سجوده، وأما الحاملُ على عدم السجود فلا يدلُّ الاستثناء عليه فصرَّح بذكره.

ونظير هذا الاحتجاج والاعتراض والتقدير سواء قوله تعالى: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)} [الأعراف: ١١] فإنَّ نفىَ كونه من السَّاجدين أخصُّ من نفي السُّجود عنه؛ لأن نفي الكون يقتضي نفى الأهليَّةِ والاستعداد، فهو أبلغُ في الذَّمِّ من أن يقال: "لم يَسْجُدْ".

ثم الذي يدلُّ على بُطلان هذا المذهب وجوهٌ:

منها: أنه لو كان ما بعدَ "إلاّ" مسكوتًا عن حكمِهِ لم يكن قولُنا: لا إله إلاّ الله توحيدًا واللازم باطلُ, فالملزومُ مثلُه, والمقدِّمتانِ ظاهرتان.

ومنها: أن الاستثناء المنقطع لا يُتَصور الإخراجُ فيه من الاسم لعدم دخولِه فيه , فكذلك المتَّصلُ.

ومنها: أنه لو كان الإخراجُ من الاسم وحده لما صحَّ الاستثناء من مضمون الجملة كقولك: "زَيْدٌ أَخوكَ إلاّ أنَّهُ ناءٍ عَنْكَ"، و"عَمْرٌو صّديقُكَ إلَاّ أنَّهُ يُوادُّ عَدُوَّكَ" ونحو هذا.

ومنها: أنه لا يوجدُ في كلام العرب: "قامَ القومُ إلاّ زَيدًا فإنَّهُ قَامَ" ولو كان الإخراجُ من الاسم وحدَه والمستثنى مسكوتٌ عنه لجاز