إثباتُ القيام له؛ كما جاز نفيُهُ عنه، فإن السكوتَ عن حكمه لا يفيدُ نفيَ القيام عنه ولا إثباته، فلا يكونُ واحدٌ منهما مناقضًا للاستثناء.
واحتجَّ الفَرَّاءُ بأن المُنقطعَ مخرَجٌ من الحُكم لا من الاسمِ، وكذلك البابُ كلُّه، وأجيبَ عن ذلك بأن المستثنى داخلٌ مع الاسمِ المحكوم عليه تقديرًا, إذ يقدَّرُ الأوَّلُ شاملاً بوجه ليصِحَّ الاستثناءُ، ولمن نصر قول الكسائي أيضًا أن يُجِيبَ له بهذا الجواب.
وإذا تبين بطلانُ المذهبين صحَّ مذهبُ الجمهور: أن الإخراج من الاسم والحكم معًا، فالاسم المستثنى مخرَجٌ من المستثنى منه، وحكمُه مخرَجٌ من حكمه، ومن الممتنع إخراجُ الاسم المستثنى من المستثنى منه مع دخوله تحتَهُ في الحكم, فإنه لا يُعقل الإخراجُ حينئذٍ ألْبتةَ, فإنه لو شاركه في حكمه لدخلَ معه في الحكم والاسم جميعًا، فكان استثناؤُه غيرَ معقول، ولا يقالُ, إن معنى الاستثناء أن المتكلِّمَ تاركٌ للإخبار عنه بنفىٍ أو إثباتٍ، مع احتمال كلِّ واحدٍ منهما، لأنَّا نقولُ: هذا باطلٌ من وجوه عديدة:
منها: أنَّكَ إذا قلتَ: "ما قَامَ إلا زَيْدٌ""مَا ضَرَبْتُ إلاّ عَمْرًا" و"مَا مَرَرْتُ إلاّ بِزَيْدٍ"، ونحوه من الاستثناءات المفرَغات لم يَشُكَّ أحدٌ في أنك أثبتَّ هذه الأحكامَ لما بعد "إلاّ" كما أنك سلبتها عن غيره، بل إثباتُها للمستثنى أقوى من سلبها عن غيره (١).
ويلزمُ من قال: إن حكم المستثنى مسكوتٌ عنه، أن لا يفهمَ من هذا إثباتَ القيام والضَّرب والمرور لزيدٍ، وهو باطلٌ قطعًا.
ومنها: أنه لو كان مسكوتًا عنه لم يدخلِ الرجلُ في الإسلام
(١) من قوله: " بل إثباتها ... " إلى هنا ساقط من (ق).