بقوله:"لا إلهَ إلاّ الله"، لأنه على هذا التقدير الباطل لم يُثبِت الإلهيَّةَ لله، وهذه أعظمُ كلمةٍ تضمَّنت بالوضع نفيَ الإلهيَّة عما سوى الله، وإثباتها له بوصف الاختصاصِ، فدلالتها على إثبات إلاهيَّته أعظمُ من دلالة قولنا:"الله إلهٌ"، ولا يستريبُ أحدٌ في هذا ألْبتَّة.
ومنها: أنه لو ادُّعِيَ عليه بمائَةِ دِرهَمٍ، فقال:"له عِنْدي مِائَةٌ إلاّ ثلاثَة دَراهِمَ "، فإنه نافٍ لثبوت المستثنى في ذِمَّته، ولو كان ساكتًا عنه لكان قد أقرَّ بالبعض ونكل عن الجواب عن البعض، وهذا لم يقلْهُ عاقلٌ، ولو كان حكم المستثنى السُّكوتَ لكان هذا ناكلاً (١).
ومنها: أن المفهوم من هذا عندَ أهل التخَاطُب نَفيُ الحكم عن المستثنى وإثباته للمستثنى منه، ولا فرقَ عندَهم بين فهم هذا النَّفي وذلك الإثبات ألْبتة، وذلك جارٍ عندَهم مجرى فهم الأمر والنهي والنَّفي والاستفهام وسائر معانى الكلام، فلا يفهمُ سامعٌ من قول الله عز وجل:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}[العنكبوت: ١٤] أنه أخبر عن لبْثِهِ تسع مائة عام وخمسين عامًا، وسَكَتَ عن خمسين فلم يُخْبِرْ عنها بشيء، ولا يفهمُ أحدٌ قطّ إلا أن الخمسينَ لم يَلْبَثْها فيهم.
وكذلك قوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} [ص: ٨٢, ٨٣] لا يفهم منها إلا أن المخْلَصينَ لا يتمَكَّنُ من إغوائهم، وكذلك سائر الاستثناءات.
ومنها: أن القائل إذا قال: "قَامَ القَوْمُ إلاّ زَيْدًا" لم يكن كلامه صدقًا إلا بقيامِهم وعدم قيام زيد، ولهذا من أراد تكذيبه قال له:"كَذَبْتَ بلْ قامَ زَيْدٌ"، ولو كان زيدٌ مسكوتًا عنه لم يكن هذا تكذيبًا