والصحيح: أن الصُّلْح كان عامًّا على ردِّ من جاء مسلِمًا مطلَقًا ولم يكن فيه تخصيصٌ، بل وقع بصيغة "من" المتناولة للرجال النساء، ثم أبطلَ الله تعالى منه ردَّ النساء، وعوَّض منه ردَّ مهورِهِنَّ، وهذه شبهة من قال: إن حكمَ هذه الآية منسوخٌ، ولم يُنسْخ منه إلا ردُّ النساء خاصَّةً، وكان ردُّ المهور مأمورًا به، والظاهر أنه كان واجبًا؛ لأن الله تعالى قال:{وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}، فثبتَ أن ردَّ المهور حقٌّ لمن يسأله فيجُب رَدُّهُ إليه.
قال الزُّهريُّ: ولولا الهدنةُ والعهدُ الذي كان بينَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش يومَ الحُدَيْبيَة لأمسك النساءَ ولم يَرْدد الصَّدَاقَ، وكذلك كان يصنعُ بمن جاءه منَ المُسلمات قبل العهدِ (١).
فلما نزَلَتْ هذه اْلآية أقرَّ المسلمونَ بحكم الله وأدُّوا ما أُمِرُوا به من نفقات المشركين على نسائهم، وأبى المشركون أن يقِرُّوا بحكم الله تعالى، فيما أمر مبن ردِّ نفقات المسلمين إليهم، فأنزل الله تعالى:{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}[الممتحنة: ١١] فهذا ظاهر القرآن يدلُّ على أن خروج البُضْعِ من ملك الزَّوج متقوِّمٌ.
قلت: ويدلُّ عليه أن الشارع كما جعله متقوِّمًا فى دخوله فكذلك في خروجه، لأنه لم يدخله إلى مُلك الزوج إلا بقيمة، وحُكْم الصحابة - رضي الله عنهم- في المفقود بما حكموا به منْ ردِّ صداق امرأته إليه بعد دخول: الثاني بها = دليلٌ على أنه متقوِّم في خروجه،
(١) أخرجه الطبري: (١٢/ ٧٠) عن الزهري، وابن هشام في "السيرة": (٤/ ٣٢٦ - ٣٢٧) عن عروة بن الزبير.