للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها إلى بارئ البَرِيَّاتِ وفاطرِ المخلوقات، فإذا عَرِيَ العملُ عن النية؛ كان كالأكل والشرب (١) والنوم الحيوانى البهيمي الذي لا يكونُ عبادة بوجه، فضلاً عن أن يُؤْمَرَ به ويُرَتَّبَ عليه الثواب والعقاب والمدحُ والذَّمُّ، وما كان هذا سبيلُه لم يكنْ من المشروع (٢) المتقرَّب به إلى الرَّبِّ تبارك وتعالى.

وكذلك -أيضًا- يقصد بها تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض، فيُميَّزُ فرضها عن نفلها ومراتبها بعضها عن بعض، وهذه أمورٌ لا تَحَقُّقَ لها إلا بالنية ولا قَوَامَ لها بدونِها ألبتة، وهى مرادةٌ للشارع بل هى وظائف العبودية، فكيف يؤدي وظائفَ العبودية (٣) من لا يخطرُ بباله التمييزُ بين العبادات والعادات، ولا التمييز بين مراتب تلك الوظائف ومنازلها من العبودية، هذا أمر ممتنع عادةً وعقلاً وشرعًا، فالنية هى سرُّ العبوديَّة ورُوحُها، ومحلُّها من العمل مَحلُّ الرُّوح من الجَسَد، ومُحَالٌ أن يعتبرَ في العبودية عمل لا روح له؛ بل هو بمنزلة الجسد الخراب، وهذا معنى الأثر المروي موقوفًا على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لا عَمَلَ لِمنْ لا نِيَّةَ له، ولا أجْرَ لمن لا حَسَنَةَ له" (٤).

وقد قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥]


(١) (ق) بدلاً من "كان كالأكل والشرب": "وترتب عليه الثواب والعقاب".
(٢) من قوله: "ويرتب عليه ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٣) "فكيف يؤدي وظائف العبودية" سقطت من (ق).
(٤) قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": (١/ ٦٩): "رواه ابن أبى الدنيا [في كتاب الإخلاص والنية] بإسناد منقطع"، وأخرجه البيهقي: (١/ ٤١) من حديث أنسٍ مرفوعًا، وفي سنده ضَعْف.