للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بوزنِ الظرفِ؛ لأنهم ربما اختلفوا في وزنِهِ" انتهى كلامُهُ.

قلت: قول أحمد: "نبيعُ القطنَ في الكِسَاءِ أحبُّ إلَيَّ وقوله: "لأنه يكون بمنزلة التمرِ في جلالِهِ وقواصِرِه، ما زال هذا يُباعِّ في الإِسلام"، يؤخذ منه بيعُ المُغَيَّبَاتِ في الأرضِ؟ كالجزر والقُلْقاس والسَّلْجم ونحوها، بل أولى، وما زال هذا يُباع في الإِسلام ويتعذَّر عليهم بيعُ المزارع إلاّ هكذا، وعلمهم بما في الأرض أتمُّ من علم المشتري بما في الجُرُبِ والأعْدالِ؛ لأنهم يعرفونه بورقِهِ، ولا يكاد تخلو معرفتُهم به، بل رَبما كان اختلافُ ما في الجُرُب والأعدال (١) أكثرَ من اختلافِ المُغَيَّب في الأرضِ، والعسرُ فيه أكثر؛ لأنه بحسب دواعي البَشَر، وما في الأرض لا صُنْع لهم فيه، فالغالبُ تساويه (٢).

وبالجملةِ؛ فلم يزلْ ذلك يُباعُ في الإسلام، وهذه قاعدةٌ من قواعد الشَّرْعٍ عظيمةُ النفع: أن كلَّ ما يعلمُ أنه لا غنىً بالأُمَّةِ عنه، ولم يزلْ يقعُ في الإِسلام، ولم يعلمْ من النبي - صلى الله عليه وسلم - تغييرُهُ ولا إنكارُهُ ولا من الصحابة، فهو من الدِّينِ، وهذا كإجارةِ الإقطاع، وبيع المُعاطاة، وقرضِ الخبزِ والخَميرِ وردِّ أكبرَ منه وأصغرَ، وأكلِ الصيدِ من غير تفريزِ محلِّ أنيابِ الكلب ولا غسلِهِ، وصلاة المسلمينَ في جِراحاتهم، كما قال البخاريُّ (٣): "لم يزلِ المسلمون يُصَلُّون في جراحَاتِهمِ"، ومسحِهم سيوفَهم من غير غسلٍ، وصلاتِهم وهم حاملوها، ولو غُسِلتِ السيوفُ لفَسَدَتْ، ولا يُعرَفُ في الإِسلام غَسْل السيوف


(١) من قوله: "لأنهم يعرفونه ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٢) تقدم البحث في هذه المسألة: (٤/ ١٣٢٣).
(٣) "الصحيح - الفتح": (١/ ٣٣٦)، وليس هو من قول البخاري، بل علقه على الحسن البصري مجزومًا به.