للعقوبةِ والجزاءِ على القبائحِ، فهذا لونٌ وهذا لونٌ.
وفي ضمن هذه المناظرة معجزةٌ باهرةٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهي أنه في مقامِ المُناظرةِ مع الخصوم الذين هم أحرصُ النّاسِ على عداوتهِ وتكذيْبهِ، وهو يخبرُهم خبرًا جَزْمًا أنهم لن يَتَمَنَّوُا الموتَ أبداً، ولو علموا من نفوسِهم أنهم يَتَمَنَّوْنَهُ لوجدوا طريقاً إلى الرَّدِّ عليه، بل ذلُّوا وغُلِبوا وعَلموا صحَّةَ قوله، وإنما منعهم من تمَني الموتَ معرفتُهم بما لهم عند الله من الخِزْي والعذاب الأليمِ، بكفرهِم بالأنبياءِ، وقتلِهم لهم وعَدَاوَتِهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فإن قيلَ: فهلا أظَهروا التمَنِّي وإن كانوا كاذبينَ فقالوا: فنحن نَتَمَنَّاه؟.
قيل: وهذا أيضًا معجزةٌ أخرى، وهي: أن الله حَبَسَ عن تَمَنِّيهِ قلوبَهم وألسِنتهم، فلم تُرِدهُ قلوبهم ولم تنطِقْ به ألسنتهم تصديقاً لقوله:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}.
* ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)} [البقرة: ١١١]، هذه دعوى من كلِّ واحدة من الطائفتين، أنه لن يدخلَ الجنَّةَ إلَّا من كان منها، فقالت اليهودُ: لا يدخلُها إلَّا من كان هودًا (١)، وقالت النَّصارى: لا يدخلُها إلَّا من كان نصرانيًا، فاختصر الكلام أبلغَ اختصارٍ وأوجزَه، مع أَمْن اللَّبْس ووضوح المعنى، فطالَبَهُمُ اللهُ تعالى بالبرهانِ على صحةِ هذه الدَّعوى، فقال: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)}، وهذا هو المُسَمَّى: "سؤالَ المطالبةِ