للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بذلك, بل شهادتُها أتم من شهادة الخبر المجرد؛ لأنها شهادة حال لا يقبل كذبا, فلا يتأمل العاقل المستبصر مخلوقا حق تأمله, إلا وجده دالا (١) على فاطره وبارئه, وعلى وحدانيته, وعلى كمال صفاته وأسمائه, وعلى صدق رسله, وعلى أن لقاءه حق لا ريب فيه.

وهذه طريقة القرآن في إرشاده الخلق إلى الاستدلال بأصناف المخلوقات وأحوالها على إثبات الصانع, وعلى التوحيد والمعاد والنبوات, فمرة يخبر أنه لم يخلق خلقه باطلا ولا عبثا, ومرة يخبر أنه خلقهم بالحق, ومرة يخبرهم وينبههم على وجوه الاعتبار, والاستدلال بها على صدق ما أخبرت به رسله حتى يبين لهم أن الرسل إنما جاؤوهم بما يشاهدون أدلة صدقة, وبما لو تأملوه لرأوه مركوزًا في فطرهم, مستقرا في عقولهم, وأن ما يشاهدونه من مخلوقاته شاهد بما أخبرت به رسله عنه, من أسمائه وصفاته , وتوحيده ولقائه, ووجود ملائكته, وهذا باب عظيم من أبواب الإيمان, إنما يفتحه الله على من سبقت له منه سابقة السعادة, وهذا أشرف علم يناله العبد في هذه الدار.

وقد بينت في موضع آخر (٢) أن كل حركة تشاهد على اختلاف أنواعها, فهي دالة على التوحيد والنبوات والمعاد, بطريق سهلة واضحة برهانية, وكذلك ذكرت في "رسالة إلى بعض الأصحاب" (٣)


(١) (ق): "شاهدًا دالا".
(٢) انظر "مفتاح دار السعادة": (٢/ ٥ - فما بعدها).
(٣) لم أعثر على هذه الرسالة، ولم يذكرها أحد، وطبعت للمؤلف رسالة بعنوان: "رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه"؛ لكن ليس فيها ما ذكره المؤلف هنا، فلعلها رسالة أخرى.