للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهذا كلُّه من الحق الذي خلقت به السموات والأرض وما بينهما, وهو حق مقارن لوجود هذه المخلوقات, مسطور في صفحاتها, يقرؤه كل موفق (١) كاتب وغير كاتب, كما قيل:

تأمل سطور الكائنات فإنها ... من الملأ الأعلى إليك رسائل

وقد خُطَّ فيها لو تأملت خطها ... "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" (٢)

وأما الحق الذي هو غاية خلقها: فهو غاية تراد من العباد, وغاية تراد بهم.

فالتي تراد منهم: أن يعرفوا الله تعالى وصفات كماله عز وجل,

وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئا, فيكون هو وحده إلههم ومعبودهم, ومطاعهم ومحبوبهم, قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)} [الطلاق: ١٢] فأخبر أنه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته وإحاطة علمه, وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده, وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] , فهذه الغاية هي المرادة من العباد, وهي أن يعرفوا ربهم ويعبدوه وحده.

وأما الغاية المرادة بهم: فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب, قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)} [النجم: ٣١] , قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥)} [طه: ١٥] , وقال تعالى:


(١) غير محررة في (ق وظ) ويشبه أن تكون: "موقن".
(٢) ذكر المؤلف هذين البيتين في عدد من كتبه، ولم ينسبه، انظر: "مفتاح دار السعادة": (٢/ ٤٥٧، ٣/ ١٧٨).