للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك الحديث، لما كان الغالب على النَّاس أن يرتبط عصيانُهم بعدمِ خوفهم، وأَنَّ ذلك في الأوهام؛ قَطَعَ عُمَرُ هذا الربط، وقال: "لو لم يخف الله لم يعصه".

وكذلك لما كان الغالبُ على الأوهام أَنَّ الأشجار كلَّها إذا صارت (١) أقلامًا، والبحار المذكورة كلها تُكْتَب بها الكلمات الإلهية، فلعلَّ الوهم يقول: ما يُكتب بهذا شيء إلا نفِدَ كائنًا ما كان، فقطع الله تعالى هذا الربط، ونفى هذا الوهم، وقال: {مَا نَفِدَتْ} (٢).

قلت: ونظير هذا: في الحديث: أن زوجته لما توهَّمتْ أن ابنة عمه حمزة (٣) تحلّ له؛ لكونها بنت عمه, فقطع هذا الربط بقوله: "إنها لا تحل"، وذكر للتحريم سببين: الرَّضَاعة، وكونها ربيبة له، وهذا جواب القَرَافي، قال: "وهو أصْلح من الأجوبة المتقدِّمة من وجهين؛ أَحدهما: شموله للحديث والآية، وبعض الأجوبة لا تنطبق على الآية. والثاني: أَنَّ ورود "لو" بمعنى "إن" خلاف الظاهر، وما ذكرته (٤) لا يتضمن خلاف الظاهر".

قلت: وهذا الجواب فيه ما فيه، فإنه إِن ادَّعى أَنّ "لو" وُضِعت أو جيء بها لِقَطْع الرَّبط فغلط، فإنها حرف من حروف الشرط التي مضمونها ربط السبب بمسببه والملزوم بلازمه، ولم يُؤْتَ بها لقطع هذا الارتباط ولا وُضعت له أصلًا، فلا يفسر الحرف بضد موضوعه.

ونظير هذا قول من يقول: إن "إلا" قد تكون بمعنى "الواو"،


(١) سقطت من (ق).
(٢) "وقال: ما نفدت" سقطت من (د).
(٣) (ق): "بنت حمزة"، وانظر ما تقدم (ص/٩٤ حاشية ١) من التعليق والتصحيح.
(٤) (ظ ود): "ذكره".