للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و"لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ" (١).

ومثال الثالث: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: ٢٧].

وقال الرابع: "لَو لَمْ تُذْنِبوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجاءَ بقَوْمٍ يُذنِبُونَ فَيَسْتغْفروْنَ فيَغفر لَهُمْ" (٢). فهذه صور ورودها على النفي وَالإثبات.

وأما حكم ذلك فأمران:

أحدهما: نفي الأول لنفي الثاني، لأنَّ الأول ملزوم والثاني لازم، والملزوم عدم عند عدم لازمه.

والثاني: تحقُق الثاني لتحقق الأول؛ لأنَّ تحقق الملزوم يستلزم تحقق لازمه.

فإذا عرفت هذا فليس في طبيعة "لو" ولا وضعها ما يؤذن بنفي واحد من الجزءين ولا إثباته، وإنما طبيعتها وحقيقتها الدَّلالة على التلازم المذكور؛ لكن إنما يُؤتى بها للتلازم المتضمن نفي اللازم أو الملزوم أو تحققهما, ومن هنا نشأَت الشُّبهة، فلم يؤتَ بها لمجرد التلازم مع قطع النظر عن ثبوت الجزءين أو نفيهما، فإذا دخلت على جزءين متلازمين قد انتفى اللازم منهما، اسْتُفيد نفي الملزوم من قضية اللزوم، لا من نفس الحرف.

وبيانُ ذلك: أنَّ قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] لم يستفد نفي الفساد من حرف "لو"، بل الحرف دخل


(١) تقدما (ص/٩٢، ٩٤).
(٢) أخرجه مسلم رقم (٢٧٤٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وجاء بنحوه من حديث أبي أيوب الأنصاري عند مسلم أيضًا.