للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول؛ جعلَه خبرًا بمعنى الأمر، ومن سلك المسلك الثاني؛ قال: بل هو خبر حقيقة غير مصروف عن جهة الخبرية، ولكن هو خبر عن حُكْم الله وشرعه ودينه ليس خبرًا عن الواقع، ليلزم ما ذكروه من الإشكال، وهو احتمال عدم وقوع مخبره، فإن هذا إنما (ق/ ٤٠ أ)، يلزم من الخبر عن الواقع، وأما الخبر عن الحكم والشرع فهو حقٌّ (ظ/٢٩ ب)، مطابق لخبره لا يقع خلافه أصلًا.

وضد هذا مجيء الأمر بمعنى الخبر نحو قوله: "إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنع مَا شِئْتَ" (١)، فإن هذا صورته صورة الأمر، ومعناه معنى الخبر المحض، أي: من كان لا يستحي فإنه يصنع ما يشتهي، ولكنه صرف عن جهة الخبرية إلى: صورة الأمر لفائدة بديعة، وهي: أن العبد له من حيائه آمر يأمره بالحَسَن وزاجر يزجره عن القبيح، ومن لم يكن له (٢) من نفسه هذا الآمر لم تنفعه الأوامر، وهذا هو واعظ اللهِ في قلب العبد المؤمن الذي أشار إليه النبي (٣) - صلى الله عليه وسلم -، ولا تنفع المواعظ الخارجة إن لم تصادف هذا الواعظ الباطن، فمن لم يكن له من نفسه


(١) أخرجه البخاري رقم (٣٤٨٣)، وغيره من حديث أبي مسعود البدري -رضي الله عنه-.
(٢) من (ق).
(٣) وذلك في حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "ضرِب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا ... " وفيه: "وداعٍ يدعو من جوف الصراط ... " وفَسَّر هذا الداعي بأنه: "واعظ اللهِ في قلبِ كلِّ مَسلم".
أخرجه أحمد: (٤/ ١٨٢ - ١٨٣)، والترمذي رقم (٢٨٥٩)، والنسائي في "الكبري": (٦/ ٣٦١) وغيرهم.
وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم على شرط مسلم في "المستدرك": (١/ ٧٣)، وابنُ كثير في "التفسير": (١/ ٩ - ٣٠). وللحافظ ابن رجب رسالة مطبوعة في شرح هذا الحديث.