للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعظ لم تنفعه المواعظ، فإذا فقد هذا الآمر الناهى بفقد الحياء، فهو مطيع لا محالةَ لداعى الغيِّ والشهوة طاعةً لا انفكاك له منها، فنُزِّل منزلة المأمور، وكأنه يقول: إذا لم تأتمر لأمر الحياء؛ فأنت مؤتمر لأمر الغي والسَّفَهِ، وأنت مطيعه لا محالة، وصانع ما شئت لا محالة، فأتى بصيغة الأمر تنبيهًا على هذا المعنى، ولو أنه عدل عنها إلى صيغة الخبر المحض، فقيل: "إذا لم تَسْتح صنعتَ ما شئتَ"، لم يفهم منها هذا المعنى اللطيف، فتأمَّله وإياك والوقوف مع كثافة الذهن وغلظ الطباع، فإنها تدعوك إلى إنكار هذه اللطائف وأمثالها فلا تأتمر لها.

وأما وقوع الفعل المستقبل بلفظ الأمر في باب الشرط، نحو "قم أُكرمك"، أي: إن تقم أكرمك، فقيل: حكمته أن صيغة الأمر تدل على الاستقبال، فعَدَلوا إليها إيثارًا للخِفَّة، وليست هذه العلة مطَّرِدة؛ فإن الأفعال المختصة بالمستقبل لا يحسن إقامة لفظ الأمر مقامَ أكثرِها، نحو: "سيقوم، وسوف يقوم، ولن يقوم، ولا تقوم (١)، وأريد أن يقوم"، ولكن أحسن مما ذكروه أن يقال في قوله: "قم أكرمك" فائدتان ومطلوبان (٢)، أحدهما: جعل القيام سببًا للإكرام ومقتضيًا له اقتضاءَ الأسباب لمسبباتها، والثاني: كونه مطلوبًا (٣) للآمر مرادًا له، وهذه الفائدة لا يدل عليها الفعل المستقبل، فعدلَ عنه إلى لفظ الأمر تحقيقًا له، وهذا واضح جدًّا.

وأَما وقوع المستقبل بعد حرف الجزاء بلفظ الماضي، مع أنَّ


(١) من (ق).
(٢) (ظ ود): "ومطلوبًا فى".
(٣) (ظ ود): "مطلق لها".