للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إذا أُريد الوصف الشامل للسموات (ظ/٣٢ ب)، وهو معنى العلو والفوق أُفْرِد ذلك بحسب ما يتصل به من الكلام والسياق، فتأَمل قولَه تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: ١٦، ١٧] كيف أُفْرِدت هنا لما كان المراد الوصف الشامل والفوق المطلق، ولم يُرِد سماءً معينةً مخصوصة، ولما لم تفهم الجهميةُ هذا المعنى أخذوا في تحريف الآية عن مواضعنا.

وكذا قوله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [يونس: ٦١] بخلاف قوله في سبأ: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: ٣] فإن قبلها ذكر سبحانه سعة ملكه وأن له ما في السموات وما في الأرض، فاقتضى السياق أن يذكر معه علمه وتعلّقه بمعلومات مُلكه (١) ومحله، وهو السموات كلها والأرض (٢)، ولما لم يكن في سورة يونس ما يقتضي ذلك أفردها إِرادةً للجنس.

وتأمل كيف أتت مجموعةً في قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} [الأنعام: ٣] فإنها أتت مجموعةً هنا لحكمةٍ ظاهرة، وهي: تعلُّق الظرف بما في اسمه تبارك وتعالى من معنى إلاهيته، فالمعنى: وهو: الإله وهو المعبود في كل واحدةٍ واحدةٍ من السموات، ففي كل واحدة من هذا الجنس هو المألوه المعبود، فَذِكْر الجمع هنا أبلغ وأحسن من الاقتصار على لفظ الجنس الواحد.

ولما عزب هذا المعنى عن فهم بعض المتسنِّنَة فسَّر الآيةَ بما


(١) من قوله: "وأن له ... "، إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(٢) ليست في (ق).