للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا تأملت ما ذكرناه، استبان لك قصور من قال: إن "ما" مع الفعل في هذا كلِّه سوى الأول في (١) تأويل المصدر، وأَنه لم يَقْدر المعنى حق قدره، فلا لصناعةِ النحو وُفِّق، ولا لفهم التفسير رُزِق، وأنه تابع الحَزَّ وأخطأَ المَفصِل، وحامَ ولكن ما وَرَدَ المنهل.

وأما قوله عز وجل: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} [الكافرون: ٢ - ٣] فـ "ما" على بابها، لأنها واقعة على معبوده - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق؛ لأن امتناعهم من عبادة الله ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم يعبدون الله، ولكنهم كانوا جاهلين به؛ فقوله: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)} [الكافرون: ٥] أي: أنتم لا (٢) تعبدون معبودي، ومعبوده هو - صلى الله عليه وسلم - كان غارفًا به دونهم، وهم جاهلون به. هذا جواب بعضهم.

وقال آخرون: إنها هنا مصدرية لا موصولة، أي: لا تعبدون عبادتي، ويلزم من تبريتهم عن عبادته تبريهم (٣) من المعبود؛ لأن العبادة متعلِّقة به، وليس هذا بشيء! إذ المقصود براءته من معبوديهم، وإعلامه أنهم بريئون من معبوده -تعالى- فالمقصود المعبود لا العبادة.

وقيل: إنهم كانوا يقصدون مخالفته - صلى الله عليه وسلم - حسدًا له، وأَنَفَةً من اتباعه، فهم لا يعبدون معبودة، لا كراهية لذات المعبود؛ ولكن كراهية لاتباعه - صلى الله عليه وسلم -، وحرصًا على مخالفته في العبادة، وعلى هذا فلا يصح في النظم البديع والمغنى الرفيع إلا لفظ "ما"؛ لإبهامها ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية.


(١) (ظ ود): "فمن".
(٢) (ظ): "لا أنتم".
(٣) (ظ): "تبريهم عن عبادته تنزيههم".