للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: "يعجيني ما جلستَ، وما انطلقَ زيد"، كان غثًّا من الكلام؛ لخروج "ما" عن الإبهام، ووقوعها على ما لا يتنوَّع من المعاني؛ لأنه يكون التقدير حينئذٍ: "يُعجبني الجلوسُ الذي جلستَ، والقعود الذي قعدتَ"، فيكون آخر الكلام مُفسِّرًا لأوله رافعًا للإبهام، فلا معنى حينئذٍ لـ "ما".

فأما قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا} [البقرة: ٦١]، فلأن المعصية تختلف أنواعُها.

وقوله تعالى: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)} [التوبة: ٧٧]؛ فهو كقولك (١): لأعاقبنك بما ضربتَ زيدًا، وبما شَتَمْت عَمْرًا، أَوْقَعْتَها على الذنب، والذنب مختلف الأنواع، ودلَّ ذِكْر المعاقبة والمجازاة على ذلك، فكأنك قلتَ: لأجزينك بالذنب (٢) الذي هو (ق/ ٥٧ أ)، ضَرْب زيدٍ أو شَتْم عَمْروٍ، فما على بابها (ظ/٤٢ أ) غير خارجة عن إبهامها" (٣).

هذا كلامه، وليس كما زعم -رحمه الله-، فإنه لا يُشْتَرط في كونها مصدرية ما ذكر من الإبهام، بل تقع على المصدر الذي لا تختلف أنواعه، بل هو نوع واحد، فإن إخلافهم ما وعدَ الله كان نوعًا واحدً مُسْتمرًّا (٤) معلومًا، وكذلك كذبهم.

وأصرح من هذا كلِّه قولُه تعالى (٥): {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ


(١) (ق وظ ود): "كقوله" والمثبت من "النتائج".
(٢) (ق): "لأخبرتك بالذي".
(٣) (ظ ود): "عن بابها".
(٤) (ق): "متميزًا".
(٥) "كله قوله تعالى" ليست في (ق).