للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩)} [آل عمران: ٧٩] فهذا مصدر معين خاص لا إبهامَ فيه بوجهٍ، وهو علم الكتاب ودَرْسه، وهو فَرْد من أفراد العمل والصنع، فهو كما منعه من الجلوس (١) والانطلاق، ولا فرق بينهما في إبهام ولا تعيين إذ كلاهما (٢) مُعيَّن متميِّز غير مبهم، ونظيره: {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: ٩٣] فاستكبارهم وقولهم على الله غيرَ الحقِّ مصدران مُعَيَّنان غير مبهمين، واختلاف أفرادهما كاختلاف أفراد الجلوس والانطلاق، ولو أنك قلتَ في الموضع الذي منعه: "هذا بما جلست"، "وهذا بما انطلقت" كان حسنًا غير غثٍّ ولا مستكره وهو المصدر بعينه، فلم يكن الكلام غثًّا لخصوص المصدر، وإنما هو لخصوص التركيب، فإن كل (٣) ما يُقدَّر امتناعُه واستكراهُه إذا صُغْته (٤) في تركيبٍ: آخر زالت الكراهيةُ والغثاثةُ عنه، كما رأيتَ.

والتحقيق أن قوله: "يعجبني ما تجلس وما ينطلق زيد"، إنما استكره وكان غثًّا؛ لأن "ما" المصدرية والموصولة يتعاقبان غالبًا، ويصلح أحدُهما في الموضع الذي يصلُح فيه الآخر، وربما احتملهما الكلام احتمالاً واحدًا لا يميز (٥) بينهما فيه إلا ينظر وتأمل. فإذا قلت: "يعجبني ما صنعت"؛ فهي صالحة لأن تكون مصدرية أو موصولة، وكذلك {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٤١)} [النور: ٤١]، {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٩٦)} [البقرة: ٩٦] فتأمله تجده كذلك.


(١) في "المنيرية" زيادة: "والقعود".
(٢) (ق): "كلًّا منهما".
(٣) (ظ ود): "كان".
(٤) (ظ ود): "إذ" و (ق): "صنعته".
(٥) (ظ ود): "احتملها الكلام واحدًا يميز".