للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الذي ذكرناه هو الذي قاله أبو عبيد (١) في قول حذيفة: "إن الله يخلق صانع الخَزَم وصنعته" واستشهد بالآية، وخالفه القُتَبِي (٢) في "إصلاح الغلط" (٣)؛ فغلط أشدَّ الغلط ووافق المعتزلةَ في تأويلها، وإن لم يقل بِقِيلها" هذا آخر كلام أبي القاسم السهيلي -رحمه الله-.

ولقد بالغ في رد مالا تحتمل الآية سواه، أو ما هو أولى بحملها وأَلْيقُه بها، ونحنُ وكلُّ محق مساعدوه على أن اللهَ خالق العباد وأعمالهم، وأن كلَّ حركة في الكون فالله خالقها، وعلى صِحَّة هذا المذهب أكثر من ألفِ دليلٍ من القرآن والسنة والمعقول والفطر (٤)؛ ولكن لا ينبغي أن تحمل الآية على غير معناها اللائق بها، حِرْصًا على جعلها حجة عليهم، ففي سائر الأدلة غنية عن ذلك، على أنها حجة عليهم من وجه آخر، مع كون "ما" بمعنى الذي سنبينه إن شاء الله تعالى.

والكلام -إن شاء الله- في الآية في مقامين:

أحدهما: في سَلْب دلالتها على مذهب القدرية. والثاني: في إثبات دلالتها على مذهبِ أهلِ الحق خلاف قولهم. فهاهنا مقامان (٥)؛ مقام إثبات ومقام سلب.

فأما مقام السَّلْب: فزعمت القدرية أن الآية حجة لهم في كونهم خالقين لأعمالهم، قالوا: لأن الله -سبحانه- أضاف الأعمالَ إليهم،


(١) في "غريب الحديث": (٤/ ١٢٦ - ١٢٧). والخَزَم: شيءٌ شبيه بالخوص.
(٢) ابن قتيبة تقدمت ترجمته ص/ ١٢٣.
(٣) (ص/١٢٦ - ١٢٧).
(٤) (ق): "النظر".
(٥) في الأصول: "مقامين".