للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يدل على أنهم هم المحْدِثون لها، وليس المراد هاهنا نفس الأعمال، بل الأصْنامَ المعمولة، فأخبر سبحانه أنه (ق/ ٥٩ ب) خالقهم وخالق تلك الأصنام التي عملوها، والمراد مادتها، وهي التي وقع الخلقُ عليها.

وأما صورتها وهي التي صارت بها أصنامًا، فإنها بأعمالهم، وقد أضافها إليهم، فتكون بإحداثهم وخَلْقهم، فهذا وَجْهُ احتجاجهم بالآية.

وقابلهم بعض المثبتين للقدر، وأن اللهَ هو خالق أفعال العباد، فقالوا: الآية صريحة في كون أعمالهم مخلوقة لله، فإن "ما" هاهنا مصدرية، والمعنى والله خلقَهُم وخلقَ أعمالهم، وقرروه (ظ/ ٤٤ أ) بما ذكره أبو القاسم السهيلي وغيره، ولما أورد عليهم القدريةُ: كيف تكون "ما" مصدرية هنا؛ وأيُّ وجهٍ يبقى الاحتجاجُ عليهم إذا كان المعنى: والله خلقكُم وخلقَ عبادتكم، وهل هذا إلا تلقين لهم الاحتجاجَ بأن يقولوا: فإذا كان اللهُ قد خلقَ عبادتنا للأصنام، فهي مرادة ٌله فكيف ينهانا عنها؟! وإذا كانت مخلوقة له مرادة فكيف يمكننا تركها؟! فهل (١) يسوغ أن يحتج على إنكار عبادتهم للأصنام بأن الله خالق عبادتهم (٢)؟.

أجابهم المثبتون: بأن قالوا: لو تدبرتم سياق الآية ومقصودها لعرفتم صحةَ الاحتجاج، فإن اللهَ -سبحانه- أنكر عليهم عبادة من لا يخلق شيئًا أصلًا، وترك عبادة من هو خالقٌ لذواتهم وأعمالهم، فإذا كان الله خالقكم وخالق أعمالكم، فكيف تَدَعُون عبادته وتعبدون


(١) (ق): "فكيف".
(٢) من قوله: "للأصنام ... " إلى هنا ساقط من (ق).