للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من لا يخلق شيئًا! لا ذواتكم ولا أعمالكم؟! وهذا من أحسن الاحتجاج.

وقد تكرَّر في القرآن الإنكار عليهم أن يعبدوا ما لا يخلق شيئًا ويسووا (١) بينه وبين الخالق كقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧)} [النحل: ١٧]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠)} [النحل: ٢٠]، وقوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: ١١]، إلى أمثال ذلك، فصحَّ الاحتجاج وقامت الحجةُ بخلق الأعمال مع خَلْق الذوات، فهذا منتهى أقدام الطائفتين في الآية كما ترى.

والصواب: أنها موصولة، وأنها لا تدلُّ على صحة مذهب القدرية، بل هي حجةٌ عليهم مع كونها موصولة، وهذا يتبين بمقدمة نذكرها قبل الخوض في التقرير، وهي: أن طريقةَ الحِجَاج والخطاب: أن يُجَرَّد القصد والعناية بحالِ ما يُحتج له وعليه، فإذا كان المستدل محتجًّا (٢) على بطلان ما قد أدُّعي في شيءٍ وهو يخالف ذلك، فإنه يجرِّد العنايةَ إلى بيانِ بطلان تلك الدعوى، وأن ما ادُّعي له ذلك الوصف هو متصف بضدِّه لا متصف (٣) به، فأما أن يُمْسك عنه ويَذْكر وصفَ غيره فلا.

وإذا تقرَّر هذا؛ فالله -سبحانه- أنكر عليهم عبادتهم الأصنام، وبيَّن أنها لا تستحقُّ العبادةَ ولم يكن سياق الكلام (ق/ ٦٠ أ) في معرض


(١) (ظ ود): "وسوى".
(٢) (ق): "المحتج مستدلًّا".
(٣) الأصول: "متصفًا".