للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنكار عليهم تَرْكَ عبادته، وإنَّما هو في معرض الإنكار عبادةَ من لا يستحق العبادة، فلو أنه قال: ألا (١) تعبدون الله وقد خلقكم وما تعملون؛ لتعينت المصدريةُ قطعًا، ولم يحسن أن يكون بمعنى الذي؛ إذ يكون المعنى: كيف لا تعبدونه وهو الذي أوجدَكم وأوجدَ أعمالكم، فهو المنعم عليكم بنوعي الإيجاد والخلق، فهذا وِزَان ما قرروه من كونها مصدرية، فأما سِيَاق الآية؛ فإنه في معرض إنكاره عليهم عبادة من لا يستحق العبادة، فلابد أن يتبيَّن فيه معنًى ينافي كونه معبودًا، فبين هذا المعنى بكونه مخلوقًا له، ومن كان مخلوقًا من بعض مخلوقاته فإنه لا ينبغي له أن يُعْبَد ولا تليقُ به العبادة.

وتأمل مطابقةَ هذا المعنى لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠)} [النحل: ٢٠]، كيف أنكر عليهم عبادةَ آلهة مخلوقة له -سبحانه- وهي غير خالقة. فهذا يبين المراد من قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)} [الصافات: ٩٦]، ونظيره قوله تعالى في سورة الأعراف: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: ١٩٤] أي: هم عباد مخلوقون، كما أنتم كذلك، فكيف تعبدون المخلوق!؟.

وتأمل طريقة القرآن -لو أراد المعنى الذي ذكروه- من (ظ/ ٤٤ ب): حُسن تذكُّر (٢) صفاته وانفراده بالحق، كقول صاحب يس: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: ٢٢]، فهنا لما كان المقصود إخبارهم بحسن عبادته واستحقاقه لها، ذكَر الموجب لذلك، وهي: كونه خالقًا لعابده فاطرًا له، وهذا إنعامٌ منه عليه فكيف يترك عبادته؟! ولو كان هذا هو


(١) (ظ): "لا"!.
(٢) من (ق).