للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فما حمل سيبويه وغيره على أن جعلوا "موحشًا" حالاً من "طلل"، و"قائمًا" حالاً من قولك: فيها قائمًا رجل، وهو لا يقول بقول الأخفش: إن رجلاً وطللاً فاعل بالاستقرار الذي تعلق به الجار (١)، فلو قال بهذا القول كان عذرًا له في جعلها حالاً منه، ولكن الاسم النكرة عنده مبتدأ وخبره في المجرور قبله، ولابد في خبر المبتدأ من ضمير يعود على المبتدأ تقدم الخبر أو تأخر، فلم لا تكون هذه الحال من ذلك الضمير ولا تكون من النكرة وما الذي دعاهم إلى هذا؟.

قيل: هذا سؤال حسن جدًّا يجب التقصِّي عنه والاعتناء به، فقد كعَّ عنه أكثرُ الشارحين لـ "الكتاب" والمؤلفين في هذا الباب، وما رأيت أحدًا منهم أشار فيه إلى جواب مقنع وأكثرهم لم يتنبَّه للسؤال ولا تعرَّض له.

والذي أقوله -وبالله التوفيق-: إن هذه المسألة في النحو (ظ/ ٥٥ ب) بمنزلة مسائل الدَّور في الفقه، ونضرب فيه مثالاً فنقول: رجل شهد مع آخر في عبدٍ أنه حُر فَعَتَق العبد وقُبلت شهادته، ثم شهد ذلك الرجل مرةً أخرى فأريد تجريحه، فشهد العبد المُعْتق فيه بالجُرْحَة، فإن قبلت شهادته ثبتَ جرح الشاهد وبطل العتق، وإذا بطل العتق سقطت الشهادة، وإن سقطت شهادته لم يصح جرح الشاهد (٢)، ودارت المسألة هكذا، وكلُّ فرعٍ يؤول إلى إسقاط أصله فهو أولى أن يسقطَ في نفسه، وكذلك مسألةَ هذا الفصل؛ فإنك إن جعلت الحال من قولك: "فيها قائمًا [رجل" من الضمير، لم يصح تقدير المضمر إلا مع تقدير فِعْل يتضمنه، ولا يصح تقدير فعل بعدَهُ مبتدأ؛ لأن


(١) (ق): "حال".
(٢) من قوله: "وبطل العتق ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).