للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَاهَدُوا مِنْكُمْ} [آل عمران: ١٤٢] أي: أحسبتم أن تدخلوا الجنة بغير جهاد فتكونوا جاهلين، أم لم تحسبوا ذلك فتكونوا مفرِّطين. وكذلك إذا قلت: أم حسبت أن تنال العلم بغير جدٍّ واجتهاد معناه: أحسبت أن تناله بالبطالة والهوينا فأنت جاهل، أم لم تحسب ذلك فأنت مفرِّط.

وكذلك: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا} [الجاثية: ٢١] أي: أحسبوا هذا فهم مغترون (١)، أم لم يحسبوه فما لهم مقيمون على السيئات. وعلى هذا سائر ما يَرِد عليك من هذا الباب.

وتأمل كيف يذكر -سبحانه- القِسْم الذي يظنونه ويزعمونه، فينكره عليهم وأنه مما لا ينبغي أن يكون، ويترك ذكر القسم الآخر الذي لا يذهبون إليه فتردد الكلامُ بين قسمين، فيصرح بإنكار أحدهما وهو الذي سيق الكلام (٢) لإنكاره، ويكتفي منه بذكر الآخر، وهذه (٣) طريقة بديعة عجيبة في القرآن نذكرها في باب الأمثال وغيرها، وهي من باب الاكتفاء عن غير الأهم بذكر الأهم لدلالته عليه، فأحدهما مذكور صريحًا والآخر ضمنًا. ولذلك أمثلة في القرآن يُحْذف منها الشيء للعلم بموضعه، فمنها قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا} {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ} {وَإِذْ فَرَقْنَا} {وَإِذْ جَعَلْنَا}، وهو كثير جدًّا بواو العطف من غير ذكر عامل يعمل في "إذ"؛ لأن الكلام في سياق تَعْداد النعم وتكرار الأقاصيص، فيشير بالواو العاطفة إليها، كأنها مذكورة في اللفظ لعلم المخاطب بالمراد. ولما خفي هذا على بعض ظاهرية


(١) تحرفت في (ق) إلى: "مقرون".
(٢) من (ق).
(٣) في الأصول: "وهذا".