للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه؛ إذ المقصود إضافة الصراط إلى "الذين أنعم الله عليهم"، لا إضافته إلى لفظ "غير المغضوب عليهم"، بل أتى بلفظ "غير" زيادةً في وصفهم والثناء عليهم، فتأمله.

الوجه الثالث: أن "غيرًا" لا يُعْقل ورودها بدلًا، وإنما ترد استثناءً أو صفة أو حالًا. وسر ذلك: أنها لم (١) توضع مستقلة بنفسها بل لا تكون إلا تابعة لغيرها، ولهذا قلما يقال: "جاءني غير زيد، ومررتُ بغير عَمْرو"، والبدل لابد أن يكون مستقلًّا بنفسه كما تبين أنه المقصود، ونكتة الفرق: أنك في باب البدل قاصد إلى الثاني متوجه إليه قد جعلتَ الأولَ سُلَّمًا ومِرْقاةً إليه، فهو موضعُ قصدك ومحطُّ إرادتك، وفي باب الصفة بخلاف ذلك، إنما أنت قاصد إلى الموصوف موضح له بصفته، فاجعل هذه النكتة معيارًا على باب البدل والوصف، ثم زن بها "غير المغضوب عليهم" هل يصح أن يكون بدلًا أو وصفًا؟.

الجواب الثاني: أنَّ "غيرًا" هاهنا صحَّ جريانه صفة على المعرفة؛ لأنها موصولة، والموصول مبهم غير معيَّن، ففيه رائحة من النكرة لإبهامه (٢)، فإنه غير دالٍّ على معيَّن، فصلح وصفه بـ "غير" لقُرْبِه من النكرة، وهذا جواب صاحب "الكشَّاف" (٣) قال: "فإن قلت: كيف صحَّ أن يقع "غير" صفة للمعرفة وهو لا يتعرَّف وإن أُضيفَ إلى المعارف؟ قلت: "الذين أنعمت عليهم" لا تَوْقيت فيه، فهو كقوله:


(١) (ظ): "لو"، (د): "لا".
(٢) (ق): "لانتهائه".
(٣) (١/ ١١).