للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا أدى المستطيعون الواجب لم يبق واجبًا على غير المستطيعين، وليس الأمر كذلك، بل الحج فرض عَيْن على كلِّ أحدٍ، حجَّ المستطيعون أو قعدوا، ولكن الله -سبحانه- عَذَر غير المستطيع بعجزه عن أداء الواجب، فلا يؤاخذه به ولا يطالبه بأدائه، فإذا حج أسقط الفرض عن نفسه، وليس حجُّ المستطيعين بمُسْقِطٍ للفرض عن العاجزين.

وإن أردت زيادة إيضاح، فإذا قلتَ: "وجبٌ على أهل هذه الناحية أن يجاهد منهم الطائفة المستطيعة للجهاد"، فإذا جاهدَتْ تلك الطائفةُ انقطعَ تعلق الوجوب عن غيرهم.

وإذا قلتَ: "واجبٌ على الناس كلهم أن يجاهد منهم المستطيع"، كان الوجوب متعلقًا بالجميع، وعُذْر العاجز بعجزه، ففي نظم الآية على هذا الوجه دون أن يقال: "ولله حج البيت على المستطيعين"، هذه النكتة البديعة، فتأملها.

الوجه الثاني: أن إضافة المصدر إلى الفاعل -إذا وُجِدَ- أولى من إضافته إلى المفعول، ولا يُعْدل عن هذا الأصل إلا بدلَيل منقول، فلو كان "مَنْ" هو الفاعل لأضيف المصدر إليه، فكان يقال: "ولله على الناس حجُّ من استطاع"، وحَمْله على باب: "يعجبني ضَرْب زيدًا عمرو"، مما يُفْصَل به بين المصدر وفاعله المضاف إليه بالمفعول والظرف حَمْلٌ على المكثور (١) المرجوح، وهي قراءة ابن عامر: {قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} (٢) [الأنعام: ١٣٧]، فلا يُصَار إليه.


(١) (ق): "المكتوب".
(٢) انظر: "النشر": (٢/ ٢٦٣ - ٢٦٥) لابن الجزري.