للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استغناء به عن مصدره، وهذا لكثرة ولوع (١) أنفسهم بالحب وألسنتهم به استعملوا منه أخفَّ المصدرين استغناء به عن أثقلهما.

وأما مجيئه بالضم: دون الفتح، فَلِسِرٍّ في ذلك، وهو قوة هذا المغنى وتمتكُّه من نفس المحِبِّ وقهره وإذلاله إياه، حتى إنه ليذل الشجاع الذي لا يذل لأحد فينقهر لمحبوبه ويستأسر له، كما هو معروف في أشعارهم ونثرهم، وكما يدل عليه الوجود، فلما كان بهذه المثابة أَعْطوه أقوى الحركات وهى الضمة، فإن حركة الحب أقوى الحركات فأعطوا أقوى حركات المتحرك أقوى الحركات اللفظة؛ ليتشاكل اللفظُ والمعنى، فلهذا عَدَلوا عن قياسِ مصدره وهو الحب إلى صَمِّه.

وأيضًا: فإنهم كرهوا أن يجيئوا بمصدره على لفظ "الحب" الذي هو اسم جنس للحبة (٢)، ولم يكن بُد من عدولهم إما إلى الضم أو إلى الكسر، وكان الضم أولى لوجهين؛ أحدهما: قوته وقوة الحب. الثاني: أن في الضمة من الجمع ما يوازي ما في معنى الحب من جمع الهِمَّة والإرادة على المحبوب، فكأنهم دلَّوا السامعَ بلفظه وحركته وقوته على معناه.

وتأمل كيف أتوا في هذا المسمى بحرفين:

أحدهما: الحاء التي هى من أقصى الحلق، فهي مَبْدأ الصوت ومخرجها قريبٌ من مخرج الهمزة من أصل الصدر الذي هو (ق/١٢٣ أ) معدن الحب وقراره.


(١) (ق): "وقوع".
(٢) (ظ): "للمحبة"، و (ق): "المحبة" والصواب ما أثبته.