للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قرنوها بـ "الباء" (١) التي هى من الشفَتَين، وهى آخر مخارج الصوت ونهايته، فجمع الحرفان بدايةَ الصوت ونهايته، كما اشتمل معنى الحبِّ على بداية الحركة ونهايتها، فإن بداية حركةِ المحب من جهة محبوبه، ونهايتها الوصول (٢) إليه، فاختاروا له حرفين هما بداية الصوتِ ونهايته، فتأمل هذه النكت البديعة تجدها ألطف من النسيم، ولا تَعْلَق إلا في هو يناسبها لطافةً وَرِقَّة.

فقل لكثيفِ الطبعِ وَيْحك ليسَ ذا ... بِعشِّكَ فادْرجُ (٣) سالمًا غيرَ غانِمِ

واشتقاقه في الأصل من الملازمة والثبات من قولهم: "أحبَّ البعير فهو محب" إذا برك (٤) فلم يَثُر، فقال (٥):

حُلْتَ عليه بالقَطِيْعِ ضَرْبًا ... ضربَ بعير السُّوءِ إِذْ أحَبَّا

فلما كان المُحِب ملازمًا لذكر محبوبه، ثابتَ القلب على حُبه [مقيمًا] (٦) عليه، لا يروم عنه انتقالًا ولا يبغي عنه زوالًا، قد اتخذ له في سويداء قلبه وطنًا وجعله له سكنًا:

تزولُ الجبال الراسياتُ وقَلْبُه ... على العهدِ لا يلوي ولا يتغيرُ

فلذلك أَعْطَوه هذا الاسم الدال على الثبات واللزوم، ولما جاؤوا


(١) وهو الحرف الثاني.
(٢) (ظ ود): "إلى الوصول".
(٣) من أمثال العرب قولهم: "ليس هذا بعشك فادرجى" يُضرب لمن يرفع نفسَه فوق قدره. انظر: "مجمع الأمثال": (٢/ ١٨١).
(٤) (ق): "نزل".
(٥) هو: أبو محمد الفقعسي، كما في "اللسان": (١/ ٢٩٢) وفيه: "بالقفيل" وهو السوط، والقطيع" السوط -أيضًا-.
(٦) في (ظ وق): "متيمًا" والمثبت من (د).