للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي حُجَّة -أيضًا- على غيرهم بطريق اللزوم؛ لأنه إذا جاء بمثل ما جاؤوا به من غير أن يتعلَّم منهم حرفًا واحدًا دلَّ على أنه من عند الله، وحتى لو أنكروا رسالةَ من تقدَّم لكان في مجيئه بمثل [ما] جاؤوا به (١) إثباتٌ لرسالته ورسالة من تقدمه، ودليل على صحة الكتابين وصدق الرسولين؛ لأن الثاني قد جاء بأمر لا يمكن أن يُنَال بالتعليم أصلاً ولا البعض منه، فجاءَ على يدي أمِّيٍّ لم يقرأ كتابًا ولا خطَّه بيمينه، ولا عاشرَ أحدًا من أهل الكتاب، بل نشأ بينكم وأنتم تشاهدون حاله حضرًا وسفرًا وظعنَا وإقامة، فهذا من أكبر الأدلَّة على أن ما جاء به ليس من عند البشر، ولا في قدرتهم. وهذا برهان بيِّن أبين من برهان الشمس، وقد تضمَّن ما جاءَ به تصديق من تقدَّمه، وتضمَّن ما تقدَّمَه البشارة به، فتطابقت حُجَج الله وبيِّناته على صدق أنبيائه ورسله، وانقطعت المعذرة وثبت الحقُ وقامت (٢) الحُجَّة، فلم يبق لكافرٍ إلا العناد المحض أو الإعراض والصَّدُّ.

وقوله: "إن الاسم الذي هو صاحب الحال قديم، وكان غير موصوف بهده الصفة حين أُنزل معناه لا لفظه على موسى وعيسى وداود"، هذا بناء منه على الأصل الذي انفردت به الكُلَاّبية عن جميع طوائف أهل (٣) الأرض، من أن معاني التوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن (٤) وسائر كتب الله معنى واحد، فالعين لا اختلافَ فيها ولا تعدُّد، وإنما تتعدد وتتكرَّر العبارات الدالة على ذلك المعنى الواحد،


(١) من قوله: "من غير ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(٢) "الحق وقامت" من (ق).
(٣) ليست في (ق).
(٤) (ق ود): "الفرقان".