للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلامة، وأَمْن كل واحد من المسلِّم والرَّاد عليه من صاحبه. قالوا: فهذا كله يدل على أن السلام مصدر بمعنى السلامة، وحُذِفت تاؤه؛ لأن المطلوب هذا الجنس لا المرة الواحدة منه، و"التاء" تفيد التحديد كما تقدَّم.

وفَصْلُ الخطاب في هذه المسألة أن يُقال: الحق في مجموع القولين، فكل منهما بعض الحق، والصوابُ في مجموعهما، وإنما يتبيَّن ذلك بقاعدة قد أشرنا إليها مرارًا، وهي: أن مِن دعاءِ الله بأسمائه الحسنى أن يسأل في كل مطلوب، ويتوسل إليه بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله، حتى إن الداعي متشفع إلى الله (١) متوسل إليه به، فإذا قال: "ربِّ اغفر لي وتُبْ عليَّ إِنك أنت التواب الغفور"، فقد سأله أمرين، وتوسَّل إليه باسمين من أسمائه مقتضيين لحصول مطلوبه، وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (ظ/ ١١١ أ) لعائشة -رضي الله عنها- وقد سألته ما تدعو به إن وأفقت ليلة القدر؛ "قولي: اللهم إنَّك عَفُوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني" (٢)، وكذلك قوله للصديق -رضي الله عنه- وقد سأله أن يعلِّمه دعاءً يدعو به: "اللهمَّ إني ظلمتُ نفسي ظُلمًا كثيرًا وإنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ فاغفرْ لى مغفرةً من عندكَ وارحمني إنَّك أنتَ الغفورُ الرَّحيم" (٣)، وهذا كثير جدًّا، فلا نطول بإيراد شواهده.


(١) (ظ ود): "مستشفع إليه ... ". وانظر ما تقدم (١/ ٢٨١، ٢٨٩).
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٣٥١٣)، وابن ماجه رقم (٣٨٥٠)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (٨٧٢)، وأحمد في "المسند": (٦/ ١٧١) وغير موضع، والحاكم في "المستدرك": (١/ ٥٣٠).
قال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه الحاكم على شرط الشيخين.
(٣) أخرجه البخاري رقم (٨٣٤)، ومسلم رقم (٢٧٠٥).