للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضَلَالٍ مُبِينٍ (١٦٤)} [آل عمران: ١٦٤] وقوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)} [الحجرات: ١٧]، فهي مَحْض الإحسان إليهم، والرأفة بهم، وهدايتهم إلى ما به صلاحهم في الدنيا والآخرة، لا أنها محض التكليف والامتحان الخالي عن العواقب الحميدة والغايات التي لا سبيل إليها إلا بهذه الوسيلة، فهي لغاياتها المجربة المطلوبة (١) بمنزلة الأكل للشبع، والشرب للرِّي، والجماع لطلب الولد، وغير ذلك من الأسباب التي رُبطَت بها مسبباتها بمقَتضى الحكمة والعِزَّة، فلذلك نُصبَ هذا الصراطَ المستقيم وسيلة وطريقًا إلى الفوز الأكبر والسعادة، ولا سبيلَ إلى الوصول إليه إلا من هذه الطريق، كما سبيلَ إلى دخول الجَنَّة إلا بالعبور على الصراط، فالشريعةُ هي حياة القلوب، وبَهْجة النفوس، ولذة الأرواح، والمشقة الحاصلة فيها والتكليف وقع بالقصد (ق/ ١٦٢ أ) الثاني كوقوعه في الأسباب المفْضية إلى الغايات المطلوبة، لا أنه مقصود لذاته، فضلاً (ظ / ١٢٣ أ) عن أن يكون هو المقصود لا سواه. فتأمل هذا الموضع، وأعطه حقه من الفِكْر في مصادرها ومواردها، يَفْتَح لك بابًا واسعًا من العلم والإيمان، فتكون من الراسخين في العلم، من الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.

وكما أنها آية شاهدة له على ما وصفَ به نفسَه من صفات الكمال؛ فهي آية شاهدةٌ لرسوله بأنه رسولُه حقًّا، وأنه أعرفُ الخلق وأكملهم وأفضلهم وأقربهم إلى الله وسيلة، وأنه لم يُؤْتَ عبدٌ مثل ما أُوْتي، فَوالَهْفاه (٢)


(١) (ق): "وهي لغاياتها المطلوبة المحبوبة".
(٢) (ق): "فوا أَسفاه".