للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عيسى، عن هشام, عن أبيه الأوَّل فيه أنه لم يستخرجْه، وحديث ابن جُرَيْج، عن هشام فيه أنه استخرجه، ولا تَنَافِيَ بينهما، فإنه استخرجه من البئرِ حتى رآه وعلمه، ثم دفنه بعد أن شُفِيَ.

وقول عائشة رضي الله عنها: هلا استخرجْتَهُ؟ أي: هلَاّ أخرجْتَهُ للناس حتى يَرَوْهُ ويعاينوه, فأخبرها بالمانع له من ذلك, وهو أنَّ المسلمين لم يكونوا لِيَسكتوا عن ذلك, فيقعُ الإنكارُ ويغضَبُ للساحر قومُهُ, فيحدث الشَّرُّ, وقد حصل المقصودُ بالشفاء والمعافاة فأمر بها فَدُفِنَتْ, ولم يستخرجها للناس, فالاستخراج الواقع غير الذي سألتْ عنه عائشة, والذي يدلُّ عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما جاء إلى البئر ليستخرجَها منه ولم يجيء إليه لينظرَ إليها ثم ينصرف, إذ لا غرض له في ذلك, والله أعلم (١).

وهذا الحديث ثابت عند أهل العلم بالحديث, متلقًى بالقبول بينهم, لا يختلفونَ في صحته, وقد اعْتاصَ على كثير من أهل الكلام وغيرهم, وأنكروه أشدَّ الإنكار, وقابلوه بالتكذيب, وصنّف بعضهم فيه مصنّفًا مفردًا حَمَل فيه على هشام, وكان غاية ما أحسن القول فيه, أن قال: "غَلِط واشتبه عليه الأمرُ, ولم يكنْ من هذا شيء", قال: "لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوزُ أن يُسْحَرَ فإن يكونه مسحورًا تصديقا لقول (٢) الكفار: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧)} [الإسراء: ٤٧] قالوا: وهذا كما قال فرعون لموسى - عليه السلام -: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (١٠١)} [الإسراء: ١٠١]. وقال قوم صالح له: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ


(١) انظر الجمع بين الروايتين في "شرح ابن بطال": (٩/ ٤٤٤ - ٤٤٥)، و"فتح الباري": (١٠/ ٢٤٥ - ٢٤٦).
(٢) (ظ ود): "لأمر".