للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: يتعلَّقُ بالإحسان والإقبال على الله تعالى والرُّجوع إليه، وهو التوبة، فتقبل هذه الحسنة وتغفر تلك السيئة.

وحَسَّنَ العطفَ هاهنا هذا التَّغايُرُ الظاهرُ، وكلَّما كان التغايرُ أَبْيَنَ كان العطفُ أحسنَ؛ ولهذا جاء العطفُ في قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: ٣] وترك في وقوله: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر ٢٣] وقوله: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: ٢٤] وأما: {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} [غافر: ٣] فترك العطف بينهما لنكتة بديعة، وهي الدلالة على اجتماع هذينِ الأمرينِ في ذاته سبحانه، وأنه حال كونِه شديدَ العقاب، فهو ذو الطَّوْل، فطَوْله لا يُنافي شدَّةَ عقابه بل هما مجتمعانِ له، بخلاف الأول والآخر، فإن الأوَّليَّة لا تجامعُ الآخريَّة، ولهذا فسَّرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "أنتَ الأوَّلُ فَلَيْسَ قبلَكَ شَيءٌ، وأنتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَك شَيْءٌ" (١) فأوَّلِيَّتُهُ أزليَّتُهُ، وآخريَّتُهُ أبَدِيَّتُهُ.

فإن قلت: فما تصنعُ بقوله: (ق/٢٢٦ أ) {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} فإن ظهوره تعالى ثابتٌ مع بطونه، فيجتمع في حقه الظهور والبطون، والنبي - صلى الله عليه وسلم - فسَّر الظاهرَ بأنه الذي ليس فوقَه شيء، والباطنَ بأنه الذي ليس دونَه شيء، وهذا العُلُوُّ والفوقيَّةُ مجامع لهذا القرب والدُّنُوِّ والإحاطة.

قلت: هذا سؤالٌ حَسَن، والذي حسَّنَ دخولَ "الواو" هاهنا: أن هذه الصِّفات متقابلةٌ مُتَضَادَّةٌ، وقد عُطِف الثانى منهما على الأول للمقابلة التي بينهما، والصِّفَتَانِ الأخْرَيَانِ كالُأولَيَيْنِ في المُقابلة، ونسبة الباطن إلى الظاهر كنسبة الآخر إلى الأوَّلِ، فكما حَسُن العطفُ


(١) أخرجه مسلم رقم (٢٧١٣) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.