فإذا عُرِفَ (١) هذا؛ فالآيةُ التي نحن فيها يَتَّضِحُ بما ذكرناه معنى العطف وتركُه فيها؛ لأن كلَّ صفةٍ لم تُعْطفْ على ما قبلَها فيها كان فيه تنبيهٌ على أنها في اجتماعها كالوصف الواحد لموصوف واحد فلم يحتجْ إلى عطف، فلما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما متلازمانِ مستمدَّانِ من مادَّةٍ واحدة، حسُنَ العطفُ ليَبِيْنَ أنَّ كلَّ وصف منهما قائمٌ على حِدَتِهِ مطلوبٌ بتعيينه، لا يُكتفى فيه بحصول الوصفِ الآخر، بل لابدَّ أن يظهر أمرُه بالمعروف بصريحه، ونهيه عن المنكر بصريحه، (ظ / ١٦٤ أ) وأيضًا فحَسَّنَ العطفَ هاهنا ما تقدَّمَ من التَّضَادِّ، فلما كان الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر ضِدَّيْنِ؛ أحدُهما طلب الإيجاد، والآخرُ طلبُ الإعدام كانا كالنَّوْعين المُتَغَايِرَيْنِ المُتَضَادَّيْنِ، فحَسُن لذلك العطف.
الموضع الثاني: قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ}[التحريم: ٥]، إلى قوله {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}، فقيل: هذه واو الثمانية لمجيئِها بعد الوصف السابع. وليس كذلك، ودخولُ "الواو" هاهنا متعيِّنٌ؛ لأن الأوصاف التي قبلَها المرادُ اجتماعُها في النساء، وأما وصفا البكارة والثيوبة فلا يمكنُ اجتماعُهما، فتعيَّنَ العطف؛ لأن المقصودَ أنه يُزَوِّجُهُ بالنَّوعينِ: الثَّيِّباتِ والأبكار.