ومما روي عن الإمام أحمد قوله:"كل ما جاز فيه البيع تجوز فيه الهبة والصدقة والرهن".
وقوله:"كل زوج يلاعن".
ثم بعد ذلك، وبعد هذه العصور -عصور أوائل التدوين- رغب العلماء في جمع تلك القواعد في مؤلفات خاصة، وذلك أن الفروع الفقهية قد تكاثرت إلى حد لا يمكن الإحاطة بها، فعندما تضبط تلك القواعد نستطيع ضبط الفروع الفقهية، فباء ذلك بمحاولات عديدة في التأليف في القواعد الفقهية.
ومما يشهد له التاريخ ويظهر بالتتبع والنظر أن فقهاء المذهب الشافعي كما كانوا أسبق من غيرهم في وضع علم أصول الفقه وتدوين قواعده وتهذيب شوارده وتوسيع مباحثه، فإن فقهاء المذهب الحنفي كانوا أسبق من غيرهم في مضمار التأليف في القواعد الفقهية، ولعل ذلك نظرًا للتوسع عندهم في الفروع.
ولعل أقدم خبر يُروى في جمع القواعد الفقهية في الفقه الحنفي مصوغة بصيغها الفقهية المأثورة ما رواه القاضي أبو سعيد الهروي الشافعي المتوفى سنة (٤٨٨ هـ): "أن بعض أئمة الحنفية بَهَراة بلغه أن الإمام أبا طاهر الدَّباس إمام الحنفية بها بما وراء النهر ردَّ جميع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة، فسافر إليه وكان أبو طاهر ضريرًا، وكان يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه فالتف الهروي بحصير، وخرج الناس، وأغلق أبو طاهر باب المسجد وسرد من تلك القواعد سبعًا، فحصلت للهروي سُعلة فأحسَّ به أبو طاهر فضربه وأخرجه من المسجد ثم لم يكررها فيه بعد ذلك، فرجع الهروي إلى أصحابه وتلا عليهم تلك السبع، قال القاضي أبو سعيد: فلما بلغ القاضي حسينًا ذلك ردَّ جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد: