للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد القطان إن عبد الرحمن بن مهدي قال: أنا أترك من أهل الحديث كل ما كان رأساً في البدعة. فضحك يحيى بن سعيد فقال: كيف يصنع بقتادة، كيف يصنع بعمر بن ذر الهمذاني، كيف يصنع بابن أبي رواد، وعدّ يحيى قوماً أمسكت من ذكرهم. ثم قال يحيى: إن ترك عبد الرحمن هذا الضرب ترك كثيراً (١).

وقال علي بن المديني: لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي -يعني التشيع- خربت الكتب. يعني مذهب الحديث (٢).

وقال البغوي: اختلفوا في رواية المبتدعة وأهل الأهواء فقبلها أكثر أهل الحديث إذا كانوا فيها صادقين فقد حدث محمد بن إسماعيل عن عباد بن يعقوب الرواجني. وكان محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: حدثنا الصدوق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب (٣).

وقال ابن دقيق العيد: الذي تقرر عندنا أن لا نعتبر المذاهب في الرواية إذ لا نكفر من أهل القبلة إلا بإنكار قطعي في الشريعة فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه الورع والتقوى فقد حصل معتمد الرواية (٤).

وقال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي: شيعي جلد لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته. ونقل توثيقه عن أحمد وغيره ثم قال: فلقائل أن يقول: كيف صاغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان فكيف يكون عدلاً وهو صاحب بدعة. وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو التشيع بلا غلو ولا تحرق. فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة.

ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة أيضاً فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموماً، بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم فكيف يقبل نقل من هذا حاله حاشا وكلا.

فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه وتعرض لسبهم والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين فهذا ضال مفتر (٥).

وابن حجر وإن قال في رأي الجوزجاني أنه (متجه) ولكنه قد سبق من قوله بأنه قال: فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً ... فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه من روعه وتقواه فلا مانع من قبوله (٦).

وقال ابن حجر في التهذيب: فالتشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل عليّ على عثمان وأن علياً كان مصيباً في حروبه وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما وربما اعتقد بعضهم أن علياً أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان معتقد ذلك ورعاً وديناً صادقاً مجتهداً فلا ترد روايته بهذا لا سيما إن كان غير داعية. وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض فلا تقبل رواية الرافض الغالي ولا كرامة (٧).

وقال أحمد شاكر بعد ذكر الأقوال الأربعة في المسألة: وهذه الأقوال كلها نظرية والعبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه والمتتبع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البدع موضعاً للثقة والاطمئنان وإن رووا ما يوافق رأيهم. ويرى كثيراً منهم لا يوثق بأي شيء يرويه.

وقد ذكر كلام ابن حجر السالف قريباً كلام الذهبي فقال: والذي قال الذهبي من ضميمة ما قاله ابن حجر فيما مضى هو التحقيق المنطبق على أصول الرواية (٨).


(١) الكفاية (ص ٢٠٥/ ٢٠٦).
(٢) الكفاية (ص ٢٠٦).
(٣) شرح السنة (١/ ٢٥٠).
(٤) فتح المغيث (١/ ٣١٠).
(٥) ميزان الاعتدال (١/ ٥).
(٦) نزهة النظر (ص ٥٢).
(٧) تهذيب التهذيب (١/ ٩٤).
(٨) الباعث الحثيث (ص ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>