[مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هل يجوز تأخيره عن موضعه عند الحاجة لتوسيع المطاف]
المؤلف/ المشرف:عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني
المحقق/ المترجم:بدون
الناشر:بدون ̈بدون
سنة الطبع:١٣٧٨هـ
تصنيف رئيس:فقه
تصنيف فرعي:مقام إبراهيم - الحجر الأسود
تلخيص وتوضيح: يتلخص مما تقدم:
أن الآيتين اللتين صدرت بهما الرسالة وغيرهما من الأدلة تأمر بتهيئة ما حول البيت للطائفين – مبدوءا بهم – وللعاكفين والمصلين، وأن المقصود من التهيئة لهذه الفرق: تمكينها من أداء تلك العبادات على وجهها بدون خلل ولا حرج.
إن هذه التهيئة تختلف باختلاف قلة تلك الفرق وكثرتها. ففي يوم الفتح كان المهم إزالة الشرك وآثاره.
وفي حجة أبي بكر رضي الله عنه، سنة تسع: كان الناس قليلاً يكفيهم المسجد القديم ولا يؤدي بقاء "المقام" في موضعه الأصلي بلصق الكعبة وصلاة من يصلي خلفه، إلى تضييق على الطائفين ولا خلل في العبادتين.
وفي حجة النبي صلى الله عليه وسلم كثر الحاجون لأجل الحج معه صلى الله عليه وسلم. ولم يكن ينتظر أن تستمر تلك الكثرة في السنين التي تلي ذلك. وكان تأخير "المقام" حينئذ يستدعي توسعة المسجد ليتسع ما خلف "المقام" للعاكفين والمصلين؛ وكانت بيوت قريش ملاصقة للمسجد، وتوسعته تقتضي هدم بيوتهم. وعهدهم بالشرك قريب. تنفيرهم حينئذ يخشى منه مفسدة عظيمة لدنو وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يوسع النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، وخيم هو أصحابه بالأبطح، وكان يصلي هناك. فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه، كثر الناس كثرة يتوقع استمرارها في السنين المقبلة. وتمكن الإسلام من صدور الناس. ولم يبق خشية من نفرة من عساه أن ينفر ممن يهدم بيته. فهدم عمر ما احتاج إلى هدمه من بيوتهم، ووسع المسجد بقدر الحاجة حينئذ. وأخر "المقام" وزاد من بعده في توسعة المسجد ليخلوا المسجد القديم للطائفين.
ثم لا نعلم كثر الحجاج والعمار بعد ذلك بقدر ما كثروا في هذه السنين. والنظر ينفي ذلك، كما تقدم أول الرسالة. وكانوا إذا كثروا في سنة لم ينتظر أن تستمر مثل تلك الكثرة فيما يليها من السنين. وكان "المقام" في القرون الأولى بارزاً، لم يكن عليه بناء، ولا بالقرب منه بناء. فكان من السهل على الطائفين عند الكثرة أن يطوفوا من ورائه. ويكف غيرهم في ذاك الوقت عن الصلاة خلفه. إذ كان يغلب على الناس معرفة أن إيذاء الطائف والمصلي خلف المقام لغيره حرام، وأن المندوب والمستحب إذا لزم من فعله مكروه: ذهب أجره. فكيف إذا لزم منه الحرام؟ وأن من ترك المندوب اجتناباً للمكروه أو الحرام: ثبت له أجر ذلك المندوب أو أعظم منه.
وما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما من المزاحمة على استلام الحجر الأسود، إنما معناه: أنه كان يتحمل إيذاء الناس له، إن آذاه أحد منهم. ولا يؤذيهم هو. بل كان ينتظر حتى يجد فرجة فيتقدم إليها فيرجمه الناس من خلفه، فيصبر حتى يجد فرجة أخرى فيتقدم، وهكذا.
وكان جمهور الصحابة وأفاضل التابعين يتجنبون المزاحمة. إن الحجاج والعمار قد كثروا في عصرنا كثرة لا عهد بها. وينتظر استمرارها وازديادها عاماً فعاماً. وأصبح المطاف يضيق بالطائفين في موسم الحج ضيقاً شديداً، يؤدي إلى الحرج والخلل، كما أشرت إليه أول الرسالة ولا تتم التهيئة المأمور بها إلا بتأخير المقام، كما تقدم بيانه أيضاً فصارت الحال أشد مما كانت عليه حين أخر عمر رضي الله عنه المقام.
إن الحكم المتعلق بالمقام – وهو اتخاذه مصلى، أي يصلى إليه – لو كان يختص بموضع لكان هو موضعه الأصلي الذي انتهى إليه إبراهيم في قيامه عليه لبناء الكعبة. وقام عليه فيه للأذان بالحج، ونزلت الآية {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] وهو فيه.