للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الدواهي المدهية للفرق المحمية (في الولاء والبراء)]

المؤلف/ المشرف:جعفر بن إدريس الكتاني

المحقق/ المترجم:محمد حمزة بن علي الكتاني

الناشر:دار البيارق - الأردن ̈الأولى

سنة الطبع:١٤١٩هـ

تصنيف رئيس:توحيد وعقيدة ومنهج

تصنيف فرعي:ولاء وبراء

وفي "الروضة المقصودة" لأبي الربيع ": ولما أخذ العدو غرناطة سنة ٨٩٧هـ اشترط المسلمون عليه شروطا، أظهر قبولها وبسط لهم جناح العدل حتى بلغت بزعمهم مأمولها وكان من جملتها أن من شاء البقاء عنده أقام مكرما ومن أراد الخروج إلى بر العدوة أنزل بأي بلاد شاء منها من غير أن يعطي كراء ولا مغرما، وأظهر للمسلمين العناية والاحترام حتى إن النصارى يحسدونهم في ذلك ويقولون أنتم عند ملكنا أعز وأكرم منا، ووضع عنهم المغارم حيلة ومكيدة لغيرهم، فطمع كثير من الناس واشتروا الرباع العظيمة ممن أراد الذهاب إلى العدوة بأبخس ثمن". "ثم ظهر له لعنه الله أن يأمر السلطان الذي كان بها بالجواز إلى العدوة، وأعد له المراكب العظيمة وركب معه كثير من المسلمين ممن أراد الجواز حتى نزلوا للمليلية من ريف المغرب، ثم ارتحل إلى فاس ولا زال عقبه بها من جملة السواد إلى أن انقرضوا في حدود ١١٥٠هـ، واتفق أن أصاب الناس فيها شدة عظيمة من الجوع والعطش والغلاء والطاعون حتى فر كثير منهم بسبب ذلك ورجع بعض أهل الأندلس إلى بلادهم فأخبروا بتلك الشدة فتقاعس من أراد الخروج وعزموا على الإقامة. ولم يجز النصارى بعد ذلك أحدا إلا بالكراء والمغرم والعشر. ولما رأوا أن الناس قد تركوا الخروج وعزموا على الإقامة، أخذوا في نقض الشروط فصلا فصلا إلى أن نقضوا جميعها، وزالت حرمة المسلمين وأدركهم الهوان والذلة، واستطالوا عليهم، وفرضوا عليهم المغارم الثقيلة، ومنعوهم الأذان في الصوامع وأمروهم بالخروج من غرناطة إلى الأرباض والقرى أذلة صاغرين. ثم دعوهم للتنصر وأكرهوهم عليه وذلك سنة ٩٠٤هـ، فدخلوا فيه كرها وصارت الأندلس كلها دار كفر، ولم يبق من يجهر بكلمة التوحيد والأذان، وجعلت في المساجد والمآذن النواقيس والصلبان بعد ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن فإنا لله وإنا إليه راجعون". والواجب على من مكنه الله في الأرض ويسره لليسرى عند أمن الفتنة أن يستتيب من ثبت عليه الفكر بما يثبت به شرعا مما قدمناه من هؤلاء الأشرار الأنجاس الذين لا أرذل ولا أنجس ولا أردى ولا أكثر ضررا على المسلمين في دينهم ودنياهم ولا أهم فسادا منهم، أراح الله الإسلام والمسلمين وطهرهم منهم بمنه وفضله، وأن يرهق غيرهم العقوبة الشديدة والتنكيل المبرح ضربا وسجنا حتى لا يتعدوا حدود الله. ومن قدر على تغيير المنكر فيهم وتراخى وتوانى كان عاصيا لله ورسوله تاركا لما يجب عليه، وذلك فرض على الأعيان لا يختص به واحد دون واحد ولا قبيلة دون قبيلة ولا جماعة دون جماعة.

يا غارة الله حلي عقد ما ربطوا ... وشتتي شمل أقوام بنا اختلطوا.

الله أكبر سيف الله قاطعهم ... وكلما قد علوا في ظلمهم هبطوا.

لكن مع هذا كله المشيئة الأزلية لا تحصر، والقدرة الإلهية لا تحجر. فإذا أراد الله تعالى أن يخالف الظنون في توبتهم وأوبتهم فليس ذلك عليه بعزيز، ولا مستحيل لا يقبل التجويز لأن الله تعالى يقول للشيء كن فيكون، في أسرع من لمحات العيون، مع أنه تعالى أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين يغفر ذنوب المذنبين ويتقبل إنابة المنيبين سبحانه جل وعلا. ثم إن وقع ذلك فما أشد فرحنا به وأعظم سرورنا بسببه، لأنه إذاك تتجدد لنا أوقات السعود، وتعود أعياد الإقبال التي لم تكن تظن أن تعود. فما أخسر صفقة من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه صفقة عبد باع آخرته بدنيا غيره، وأخسر منهما صفقة وأكثر غبنا وأسود سعدا وأشد بعدا من حرم حظه من مولاه.

على نفسه فليبك من ضاع عمره ... وليس له فيها نصيب ولا سهمُ.

وقيل: أيا عاملا للنار جسمك لين ... لجربه تمرينا بحر الظهيرةِ

ودربه في لسع الزنابر تجترئ ... على نهش حيات هناك عظيمةِ.

فإن كنت لا تقوى؛ فويحك ما الذي ... دعاك إلى إسخاط رب البريةِ.

وقيل:

جسمي على البرد ليس يقوى ... ولا على أيسر الحرارةِ

فكيف يقوى على جحيم ... وقودها الناس والحجارةِ.

وقيل:

لا تأمن الموت في لحظ ولا نفسٍ ... ولو تمنعت بالحجاب والحرسِ

واعلم بأن سهام الموت صائبة ... لكل مدرع منها ومحترسِ

ما بال دينك ترضى أن تدنسه ... وثوب دنياك مغسول من الدنسِ

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبسِ.

وفي هذا القدر كفاية. لمن سبقت له من الله هداية. وما يذكر إلا أولوا الألباب ويتوب الله على من تاب. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. ووافق الفراغ من إخراجه من مبيضته رابع عشر ربيع الثاني عام ثلاثة وثلاثمائة وألف

<<  <  ج: ص:  >  >>